تجسد شعرية فاروق جويدة مشاعر عميقة تجاه الوطن والعشق البريء، مستخدمًا اللغة العربية الفصحى بإتقان كبير لإيصال تلك المشاعر الإنسانية الجامعة. يُظهر ديوانه تنوع مواضيعه الشعرية بين الحنين للوطن، والشوق للحبيب، والتأمّل في مفارقات الزمن والأيام. تتميز أشعاره بالحس الوطني والفلسفة الروحية التي تتغلغل في النفس وتleave آثارًا دائمة.
ومن أشهر قصائده "عيناك أرض لا تخون"، والتي تكشف عن مدى وطأة الشوق والحزن داخل نفس المتحدث؛ فهو يرى نفسه محاصرًا بالمصاعب والمعاناة الشخصية بينما يستحث قواه الداخلية لمواصلة البحث عن ملامسة روح المحبوب عبر العينين - رمز الوصل والنور- مُعبّرًا عن إيمانه بأن وجودهما يُمثل ملاذاً للإنسانية بغض النظر عن شدّة الألم المحيط بهم. ويبدو هذا واضحًا عندما يقول: "عيناك بحر النور/ يحملني إلى زمنٍ نقي القلب/ مجنّون الخيال".
وفي أخرى لها وقع خاص جدًا وهي "أنا أحب" يعكس فيها تأملاته حول جمال الحب رغم كل تحديات الحياة وصعوباتها المقترنة بها دائمًا تقريبًا:"تعالي أحبك قبل الرحيل/ فما عادا عمرٌ إلّا قليلاً/ أتينا الحياة بحلمٌ بريءٍ/ فعربد فينا زمانٌ بخيل". تشير هذه القصيدة بشكل ضمني لكيفية تأثير إدراك مرور الوقت وعدم الاستقرار المجتمعي على العلاقات البشرية ومع ذلك فإن قوة شعوره نحو محبوبته تفوق تلك العوائق جميعها حسب رأيه الخاص.
لكن يبدو أنه خلال فترة تغيرات اجتماعية كبيرة كما ورد وصفها بدقة في قصيدته "حبيبتي تغيرت": "... تغير كل ما فينا...- مختلف وجوه الأشياء"- إذ أصبح الواقع أكثر سوءًا مما توقعت ذاكرة الماضي الجميلة وكأن المستقبل الغائم قد سرق نور النهار وأطفئه تمامًا تاركا فقط ذكريات جمالية مؤلمة.
ومع ذلك يبقى هناك بصيص أمل لدى فاروق جويدة حيث ينادي بالعودة للأصول والقيم القديمة للحفاظ عليها والاستمراريتها حتى وإن تبدلت الظروف المادية المحيطة: "وما زالت عادات آبائنا هي الأصل,/ ولا فرق إن اختلفت الدخول." وهو بذلك يدعو لقوة التحمل والإيمان العميق بوجود هدف أعلى يمكن الوصول إليه إذا تمسك الإنسان بمبادئه ومثل عليا كانت أساسا لحياته الأولى. وفي النهاية ترسو سفنه بابتهاج صادق لحظة التفكير بأنه يستطيع رؤية وجه محبوبته ولو مرة أخيرة قبل الانطلاق نحو الآخرة بما تحمله من أسرار وغوامض مجهولة للإنسان المعاصر ولكنه متيقن منها لأن لديه اقتناع داخلي ثابت ومتين بالإيمان بالقضاء والقدر والقدر الأعلى لكل شئ.
بهذه الصور الأدبية الرقيقة والموسيقى الداخلية الرائعة الممزوجة بتجارب حياتية صادقة يؤكد فاروق جويدة مكانته وسط نخبة الكتاب العرب الذين نجحوا بتقديم أعمال أدبية ذات قدرة عالية للتعبيرعن الذات والجماهير كذلك عبر الموضوعات الوطنية والرومانسية والخاطئة وغيرها الكثير لكن بطابع شخصي مميز تحديدًا له وللحالة المصرية الناضجة ثقافيًا وفنيًا منذ بداية القرن العشرين وحتى يومنا الحالي.