تعد قصيدة "زيديني عشقاً"، والتي كتبها الشاعر الصوفي الكبير ابن الفارض، واحدة من الأعمال الشعرية البارزة التي تستعرض جماليات وأسرار المحبة الصادقة والإخلاص الروحي. هذه القصيدة ليست مجرد مجموعة من الأبيات المتلاحمة؛ بل إنها تعكس رحلة شاعرية عميقة نحو الله عبر طريق التصوف الإسلامي.
في هذا التحليل, سنستعرض كل بيت من أبيات القصيدة مع التركيز على معانيها الدينية والفلسفية. يبدأ الشاعر دعوته حيث يقول: "زادني حباً في محبتكما"، مما يشير إلى شدة اشتياقه وحبه لله ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ثم يستمر بنبرة التوسل والتضرع قائلاً: "زدني عُشُقًا". هنا يعبر الشاعر عن رغبته الملحة في زيادة مشاعره الروحية والعاطفية تجاه الإله.
البيت الثاني ينقل لنا حالة التشوق والانتظار للمقابلة النهائية بين الخالق والمخلوق: "أنتظر لقائكم يا رب الأرض والسماء". وفي البيت الثالث نرى مدى تأثر الشاعر بالحب الإلهي وصلابته: "أحبتما فكل ما سواكم مهما كان فهو أقلٌّ عندي".
يشرح ابن الفارض مفهوم الحب الحقيقي بأنه ليس فقط شعور طبيعي ولكنه طريقة حياة كاملة. إنه حب شامل وواسع مثل البحر الذي لا يمكن قياسه ولا تحديده. عندما يقول: "في بحر هواكم غرقت قلبي فلا سبيل للنجاة", فهو يؤكد إيمانه بأن الحب الحقيقي يقود المرء للتخلي عن نفسه تماما أمام الرب.
أما الجزء الأخير من القصيدة فهو بمثابة اعتراف وشكر للشخصين الذين أحبّهما أكثر الناس، وهما الله ونبيه الكريم المصطفى -صلوات الله عليه-. يقول فيها: "زيدوني إخلاصًا وإيثارا للعطاء... فإن كنتم قد رضيتم عن عبداً فقوموه". وهذا يدل على ثقافة المسلم الراسخة بالإيمان والداعي دائماً إلى رضا الخالق والثبات على الطريق المستقيم حتى وإن واجه العقبات والصعوبات.
وبالتالي، توضح قصيدة "زيديني عشقاً" كيف يجسد العشق للإله أساس الحياة بالنسبة للمؤمن الصوفي وكيف يصل الإنسان إلى أعلى درجات الطهر والنبل خلال ذلك الشعور المقدس بتوجيه مباشر ورعاية كريمة من القادر على كل شيء سبحانه وتعالى.