تعتبر قصيدة "وصف الحمى"، التي تُنسب إلى الشاعر الجاهلي "عمرو بن كلثوم"، واحدة من أكثر الشعر العربي القديم دقة وجمالية. تتميز هذه القصيدة بمزيجها الفريد بين الوصف الطبيعي والحالة النفسية للشخص المتأثر بالحُمّى. تعكس صورة عمرو بن كلثوم للحياة البرية والعناصر الطبيعية أثناء فترة مرضه حالةً فريدةً من الوعي والتواصل مع العالم المحيط به حتى تحت وطأة المرض.
تتمحور القصة حول تجربة شخصية يعيشها الشاعر عندما يصاب بحمي شديد وكيف أنه يستخدم البيئة الطبيعية كوسيلة لتخفيف الألم والحزن الناتجين عن هذا المرض. يمكن تقسيم النص إلى ثلاث أقسام رئيسية: المقدمة، الجزء الرئيسي، والخاتمة. تبدأ القصيدة بروح حزينة مليئة بالشكوى من ألم الحُمّى والقوة المتزايدة للنار داخل جسمه. ثم ينتقل بنا إلى وصف مفصل للحياة البرية ومشاهد الليل الصحراوي الغامضة، مما يخلق شعوراً بالألفة والمقارنة بين حالة الشاعر الصحية وحوله الخارجي الصحي. أخيرا، تختتم القصيدة بتأكيده على أهمية الرجوع إلى الطبيعة كمصدر للراحة النفسية والتوازن العاطفي.
إن استخدام اللغة التصويرية البلاغية مثل التشبيه والاستعارة والكناية يجسد جمال وروعة شعر عمرو بن كلثوم بشكل عام وهذه القصيدة خاصة. فعلى سبيل المثال، تشبيهه لنفسِه بشجرة مجوفة تحترق داخليا هو مثال رائع لكيفية تصوير مشاعره الداخلية بطريقة مرئية وجذابة ذهنياً. بالإضافة لذلك، فإن الإشارات المتكررة للمخاطر وأصوات الحياة الليلة تساهم أيضاً في خلق جو مركب ومتناقض - وهو انعكاس للتناقضات الداخلية لشخصيته خلال تلك الفترة المصاحبة للإصابة بالحمى.
من الناحية الاجتماعية والدينية، تحتوي القصيدة أيضًا على رسائل خفية حول طبيعة البشر ومعاناتهم المشتركة بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو عمرهم. فهي تبين كيف يمكن لكل فرد الشعور بالإرهاق والإرهاق بسبب الأمراض الجسمانية وغيرها من تحديات الحياة اليومية. وبذلك توفر منظورًا إنسانيًا قيمًا بشأن التعامل مع الظروف الصعبة والذي قد يفيد الجميع عبر الزمان والمكان المختلفين.
وفي النهاية، تعد "وصف الحمى" شاهداً على قدرة الأدب العربي التقليدي على التأثير عاطفياً وفكرياً لدى الجمهور المعاصر رغم مرور قرون عديدة منذ كتابتها لأول مرة. إنها دعوة مفتوحة لاستخدام الفن والأدب كوسيلة لفهم وتقدير التجارب الإنسانية المختلفة وإيجاد الراحة وسط المحنة.