في فترة ازدهار الحضارة الإسلامية والمعروفة باسم العصر العباسي، شهد عالم الأدب تطوراً ملحوظاً، خاصةً فيما يخص النوع الشعري المعروف بغزل العذرية أو "الغزل العفيف". هذا النمط الشعري مختلف جذرياً عن الأنواع الأخرى التي سبقتها والتي كانت أكثر مباشرة في تعبيرها الجنسي. تميز غزل العذرية بكثير من الرمزية والأدبية، مما جعله شكلاً متقدماً ومتألقاً للشعر العربي.
يمكن تتبع أصول هذه الظاهرة إلى القرن الثاني والثالث الهجريين عندما بدأت القصائد الغزلية تأخذ منحنى جديد نحو العالم الخيالي والعاطفة الرومانسية. الشاعر أبو نواس ومن بعده أبو الحسن علي بن زريق يعدان من بين الرواد البارزين لهذه الحركة الفنية الجديدة. استخدموا اللغة بطرق غير تقليدية لإظهار مشاعر الحب والشوق بطريقة محتشمة وأنيقة.
كان للشعر في ذلك الوقت قيمة كبيرة ليس فقط كوسيلة للتعبير ولكن أيضًا كنظام للقيم الأخلاقية والإجتماعية ضمن المجتمع الإسلامي المتحفظ آنذاك. لذلك، أصبح الغزل العفيف وسيلة للتعامل مع الجوانب العاطفية للحياة دون الإخلال بالحشمة والمروءة المتطلبة اجتماعياً ودينياً.
بعض سمات الغزل العفيف تشمل استخدام الطبيعة كمصدر للإلهام، والتعبير عن الحنين والحزن بشكل خفي تحت ستار الوصف الجمالي، واستخدام الاستعارات والكنايات لتجنب الحديث الصريح عن المحبوب. كما لعب تأثير الثقافات الأخرى دور كبير في تطور هذا الفن؛ فقد أثرت الثقافة الفارسية بشدة على الشكل العام للغزل العباسيين.
بالإضافة إلى ذلك، برز العديد من شعراء البلاط خلال تلك الفترة الذين قدموا إسهامات مهمة في تطوير وتنويع مواضيع وغرض الغزل العفيف بما يتماشى مع القضايا الاجتماعية والنفسية للمجتمع آنذاك.
وبالتالي، فإن تاريخ الغزل العفاف في العصر العباسي يشهد حقبة مليئة بالابتكار والفكر الإنساني الذي ارتقى بمستوى الشعر العربي إلى آفاق جديدة ومثالية.