تُعدُّ المعلقات الشعرية العربية القديمة تحفةً فنيةً أدبيةً غنيةً بالجماليات الأدبية والفصحى الراقية التي تعتمد عليها القصيدة العربية التقليدية. ومن بين هذه الجواهر النفيسة "معلقة" الشاعر العربي الفذِّ عنترة بن شداد، والتي تزخر بمجموعة من المحسنات البديعية التي تعكس إتقان الشاعر لفنونه ومهاراته في استخدام اللغة العربية بطريقة ساحرة وإبداعية.
تنطلق معلقة عنترة من مديح القبيلة وعرض البطولات والحروب والصراع ضد العدو، مروراً بتأمل الطبيعة والعاطفة الإنسانية. وفي هذا السياق، يبرز دور المحسنات البديعية كعنصر أساسي في تشكيل جماليات النص وتنوعه. يمكن تقسيم المحسنات البديعية إلى عدة أنواع رئيسية نجدها جميعاً في معلقته المباركة.
من أهم تلك المحسنات هي التشبيه والاستعارة، حيث يقوم بها عنترة بسلاسة وبراعة ليوصل رسالته بشكل أكثر عمقاً وأثرًا. مثلاً، عندما يقول: "أنا ابن امرئٍ إن تُعَرِّفِ الدَّهْرَ قَدْ/ لم يُعلَمْ قبلي بأنوثة الرجال"، يستخدم الاستعارة المقارنة لإظهار شجاعة شخصيته ومكانته وسط رجال قبيلته. كذلك، استخدامه للتشبيه مثل: "والليل نورٌ يسطع سطوع الشمس" يعطي شعورًا بالحياة والنشاط حتى وسط ظلام الليل.
كما يلعب التورية والتورية دورًا مهمًا أيضًا في المعلقة. التورية تتضمن استخدام كلمة ذات معنيين مختلفين حسب سياقها، بينما تقوم التورية على قلب الكلمة لتشكل معنًى جديدًا. فعلى سبيل المثال، قوله: "إنما الحياة محبةٌ ونصيبُ"، هنا تظهر التورية حيث تحمل كلمة "محبة" دلالة الحب الشخصي ولكن بالإشارة إلى الموت ("النَّصيب") تصبح لها دلالة أخرى مرتبطة بالموت والقضاء والقدر.
بالإضافة لذلك، فإن تكرار الكلمات والألفاظ عمدًا -وهو ما يسمى بالتكرار- يلعب دوراً فعالاً في خلق موسيقى داخل القصيدة وتعزيز التأثير الجمالي العام للمعلقة. بالإضافة للتكرار المباشر، هناك طرق أخرى غير مباشرة لاستخدام التكرار مثل أوجه التشابه الصوتية والجرس الصوتي الناعم عبر اختيار مقاطع صوتية متوازنة ومتناسقة.
وفي النهاية، تجدر الإشارة إلى أن استخدام مجموعة متنوعة من الخصائص والمزايا البلاغية الأخرى بما فيها التعريض والتعليق والإطناب يؤكد مدى براعة وسعة معرفة عنترة بلغته وقدرته الخلاقة على تقديم رؤاه الخاصة حول الحياة والكرامة والشرف بصورة شعرية نابضة بالحياة والمفعمة بالقوة الحقيقية للشعر العربي الأصيل.
