تنقسم القصيدة الشهيرة "مساء"، التي كتبها الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي إلى ثلاثة أقسام رئيسية - الصباح، والظهيرة، والمساء. ومع ذلك، فإن القسم الأخير والذي يحمل العنوان نفسه للقصيدة يعتبر الأكثر عمقاً وأعمق تأثيرًا روحياً. يرسم هذا الجزء صورة فنية سريالية للحظة غروب الشمس باستخدام كلمات قوية وعبارات رمزية تعكس جوهر الطبيعة البشرية والتأمل الروحي.
في هذه الأبيات الأخيرة، ينقل أبي ماضي عبر صوره الخلابة مشاعر الحنين والحكمة المكتسبة مع تقدم العمر. يستخدم اللغة بشكل مقنع لرسم مشهد طبيعي بديع لكنه مليء بالإحساس العميق بالحزن والمفارقة. عندما يقول "وقفتُ عند مساءٍ طويلِ... مرهفٌ كالليلِ دمعي"، فهو يصور ذروة الاضمحلال الطبيعية يومياً وهي الغروب، مما يشير ربما إلى نهاية حياة الإنسان أيضا. ولكن بينما تتلاشى الألوان وتضعف الضوء، هناك جمال هادئ وحزين يجتاح المشهد، تمامًا كما هو الحال مع مرور الزمن والنضج لدى الإنسانية.
تتميز الصور المستخدمة بأنها ليست واقعية فقط بل تحمل أيضًا طبقة ثانية من المعاني المجازية والعاطفية. فالليل المرقق مثل الدموع ليس مجرد وصف للمناظر الخارجية؛ إنه يعبر أيضاً عن الحالة الداخلية لشخصية الشعراء الضعيفة والشعور بالذنب والوداع المؤقت للأشياء الجميلة. حتى الأشجار المذكورة باعتبارها "سنابل خاويةً" تشير إلى سرعة زوال الحياة وفراغ الحياة بعد انحسار النضارة والصحة الأولى لها.
تتجسد براعة التصوير الفني في قدرتها على نقل المشاهدين مباشرة إلى عالم شعري حيث يتمزج الواقع بالميتافيزيقيا والعاطفة بالنظر العقلي. وباستخدام لغة بسيطة، يخلق أبو ماضي عالماً متوازناً بين العنصرين الثابتين الديناميكيين للحياة والموت، الضوء والظلام، الفرح والألم. إنها رحلة ذات اتجاه واحد نحو النهاية ولكنه بالأحرى احتفال للتقدير العملي لنقاط قوة وجمال اللحظة الراهنة مهما كانت مرئية أم غير ظاهرة.
بذلك، تعدّ "مساء" أكثر بكثير من مجرد قطعة شعرية تصف لحظة غروب شمس واحدة - فهي دعوة للاستمتاع بالعالم حولنا بكل جوانبه: الجمال الخارجي والفلسفة الداخلية للوجود الإنساني.