يعد الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش أحد أبرز الشعراء العرب الذين تناولوا موضوع الحب بشكل عميق وفريد في شعرهم. فالحب لدى درويش ليس مجرد عاطفة رومانسية بريئة، ولكنه انعكاس لمعاناته وتجاربه الشخصية كشاعر وكاتب يعيش تحت نير الاحتلال الإسرائيلي. يمتزج الخيال والشجن والحنين إلى الوطن مع مشاعره تجاه المحبوب لتكوين رؤية شخصية ومبدعة للحب.
في أعمال درويش الشعرية، غالبًا ما يُستخدم الحب كوسيلة للتعبير عن الوجدان الإنساني والاستفتاح السياسي أيضًا. فقد رأى فيه وسيلة لإثبات هويته الوطنية الفلسطينية وكسر القيود المفروضة عليها. وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى قصائده باعتبارها رسائل خفية ضد الاستعمار ومقاومة للنظام القائم آنذاك.
ومن أشهر مجموعاته التي تعكس ذلك "أوراق الزيتون" و"عاشقة من فلسطين"، والتي تحفل بمجموعة متنوعة من المواقف والعلاقات المختلفة للرجل العربي وحبيبته العربية الأصيلة وسط أجواء الحرب والألم والصراع المستمر. تتسم هذه الأعمال بحيوية لغوية عالية وتصوير دقيق للأحاسيس الداخلية مما يجعلها مقروءة حتى الآن.
تتجلى عبقرية درويش الأدبية في قدرته الرائعة على ترجمة الألم والفراغ الداخلي الناجمين عن الفقدان وفصل الأحبة عبر صور شعرية مؤثرة. فهو يستعين بكل الوسائل المتاحة - سواء كانت مواد الطبيعة أم الأحداث اليومية - ليخلق عالمًا خاصًا به مليئًا بالأمل والتوقعات رغم كل الظروف القاسية المحيطة به وبشعبه المضطهد منذ زمن طويل جدًا. إنها مزيجٌ رائع بين الحزن والفرح والقوة الرمزية للشعر نفسه حينما يشغل دور الراوي وصديق الروح لمحمود درويش بطل القصائد.
وبالنسبة له، فإن المرأة ليست فقط شخصًا محبوبًا بل رمز لكل الجوانب الجمالية والنفس البشرية نفسها؛ لأنها تمثل النقيض تمامًا لما هو سائد وظالم خارج إطار محيطهما الخاص بهم أثناء كتابتها تلك التجارب المؤلمة ولكن المؤثرة للغاية كذلك. ومن خلال تصوره للمرأة بهذا المعنى العام الواسع، ينقل لنا بشخصيته وأسلوبه الفريد رؤيته الخاصة للعلاقة الحميمة والمستقبل المنشود لرؤية أكثر عدلا وعطاءً لمنطقة الشرق الأوسط والعالم برمته بناءً على فلسفته الخاصة بالحياة والإنسانية جمعاء.
