ولد الشيخ الوليد بن عبيد بن يحيى، والمعروف باسم "البحتري"، عام 821 ميلادي في مدينة منبج السورية الخلابة. اشتهر بشخصيته الجدلية، وهو ما ظهر أيضًا في اختياراته الأدبية الثرية والمتنوعة تحت اسم مستعار يشير إلى قدم أسلافه. يعد البحتري واحدًا من أكثر شعراء العربية شهرة خلال القرن الثالث الهجري, ويمتاز شعره بتجديده المتواصل في مواضيع مختلفة مثل الغزل والحكمة والحنين الوطني وتمجيد الأمجاد الإسلامية وبخاصة إنجازات العصر العباسي. له ديوان كبير ضمن موسوعة الأدب العالمي، ولكنه لم يتم جمعه أثناء حياته ولكن بعد ذلك قام المؤرخ أبو بكر الصولي بإخراج دواوينه الشهيرة ومجموعته الخاصة منه. ترك لنا هذا العملاق العديد من الأعمال الهامة الأخرى بما فيها الكتاب الرائع 'معاني الشعر' وكذلك 'الحماسة'.

بدأ البحتري نظمه مبكرآ جدًا, مما جعله محط اهتمام كبار الشعراء آنذاك وعلى رأسهم الكبير أبي تمام الذي دعاه ليعيش بالقرب منه بالعاصمة العراقية بغداد ليشارك المجتمع الثقافي هناك. هنا غمرته الفرصة لتقديم أشعاره أمام طائفة متنوعة تشغل المناصب السياسية والقانونيه بالإضافة للنخب المثقفين الذين كانوا ملتفين حول الخلافة العباسية. أصبح معروفًا بكلماته الرقيقة ذات الموسيقى الجذابة المستوحاة من تجارب الحياة اليومية والتي تتضمن صور فنية نابضة بالحياة تعكس حضارة العرب والإسلام عندئذٍ. كانت أغراضها بسيطة وخالية من التعقيدات الفلسفية إلا أنها تمتلك روحانية عميقة تنقل المشاهد نحو عالم الأحساس الإنساني بكل تفاصيله بدقة متناهية حتى ولو تعرض مرارا لأحداث تاريخية مؤلمة .

يعتبر البحتري أحد روضات الشعر العربي الرئيسيين فهو ليس فقط مبتكر للأشكال والأبعاد الجديدة بل أيضا قادر علي تقديم وجهات النظر الاجتماعية والنفسية بطريقة فريدة وسهلة القراءة والفهم للعوام والشيوخ أيضا وذلك بسبب قدرته الاستثنائية لإيجاد روابط منطقية بين التفاصيل الصغيرة والكبيرة للحياة البشرية عامة وحياة الإنسان المسلم خاصة مماجعلها جزء أصيل من تراث ثقافتهم وفخر لهم عبر القرون الطوال منذ انطلاق نهضة النهضة الثقافية حين تلك الفترة التاريخية المشرقة للإسلام وما بعدها ايضا.