لقد كان ظهور الكتابة نقطة فاصلة مهمة في تطور المجتمعات البشرية منذ آلاف السنين. إنها ليست حدثاً واحداً يمكن تحديد زمنه بدقة واحدة فقط، بل رحلة طويلة وعريقة مرت بمراحل مختلفة ومتعددة. سنستعرض هنا بعض أشكال الكتابة الأولى وأصولها الزمنية التقريبية:
- الكتابة المسمارية: تعتبر الكتابة المسمارية من أقدم أشكال الكتابة المعروفة. نشأت هذه الكتابة في بلاد الرافدين (العراق الحالي) حوالي العام 3,600 قبل الميلاد تقريبًا بواسطة السومريين الذين كانوا يسجلون بياناتهم اليومية والحسابات باستخدام نُقوش محفورة على ألواح الطين. بحلول العام 2,400 قبل الميلاد، بدأ استخدامها أيضًا باللغات الأكادية والبابلية والآشورية. تم اكتشاف وإعادة بناء نظام الكتابة المسمارية الحديث في القرن التاسع عشر ميلاديًا مما ساعد علماء الآثار وفلاسفة التاريخ على ترجمة الكثير من الكتابات المسمارية القديمة مثل الرسائل والملاحم والشعر والأساطير وغيرها.
- الكتابة الهيروغليفية: كانت مصر موطنًا لكلمة أخرى مبكرة للكتابة - الهيروغليفية - والتي تعود جذورها لعام 3,300-3,200 قبل الميلاد تقريبًا. مستوحاةٌ من الطبيعة المحيطة بهم، رسم المصريون صور حيوانات ونباتات وأشكال بشرية لاستخدامها كرموز للفظ والكلمات والعبارات. وعلى الرغم من أنها ظلت شائعة حتى القرن الرابع قبل الميلاد، فقد حل محلها لاحقًا خط هيراتيقي أبسط عند تدوين المستندات القانونية والإدارية والوثائق الأخرى المكتوبة بالحبر الجاف ومنحنيات ورق البردي الرقيق المصنوع من النباتات المحلية. واستمر هذا النوع حتى نهاية فترة الدولة الحديثة الفرعونية (حوالي سنة 700 ق م).
- الأبجدية: طور ساميون شماليون غربييون، بما في ذلك شعب كنعاني الأصل يعيش حول فلسطين وشمال سيناء، شكلًا حديثًا من وسائل التواصل المرئية يسمى "الأبجدية". تضمنت أنظمة كهذه تلك المستخدمة في مناطق أوغاريت وفينيقيا ومملكة ابلا وفي أمريكا الجنوبية أيضاً بينما أخذت أسماء حسب مكان وجودها الرئيسي. نجت العديد من هذه الأنظمة ولم تعد تستخدم إلا ضمن السياقات الثقافية والتاريخية الخاصة بها ولكنه يبقى تأثيرها واضحا على نظم الاتصال العالمية التي تتبعها الآن معظم دول العالم المنتمية لعائلة اللغات السامية وما وراء حدود الشرق الأدنى القديم الواسعة ذات يوم.
ترتبط أهمية خلق طرق كتابية جديدة ارتباطاً وثيقاً بإمكانية الاحتفاظ بالتراث الثقافي للعصور الغابرة وبالتالي نقل العلم والمعرفة بشكل فعال عبر الأجيال وتعزيز تنمية مجتمعاتها المختلفة ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً كذلك فلولا توفر أدوات تسجيل مكتوبة لما قدر لنا معرفة تراث حضارات سبقت عصر النهضة الأوروبية بكثير وحافظت عليه جيلاً بعد آخر رغم مرور قرون عديدة!