في قلب مسيرة محمود درويش الشعرية الغنية تتألق القصيدة "أنا لستُ لي"، وهي مرآة تعكس تعقيدات الوجود الإنساني وتحديات الفرد الضائع بين يدين يشعر بأنه ليس ملك نفسه فيهما. هذه القصيدة ليست فقط انعكاسًا للحالة الشخصية للشاعر؛ بل هي كالشهادة على روح شجاعة وضعت كل جوانب الحياة تحت مجهر البحث والتساؤل.
"هذا البحر، ذاك الهواء الرطب、这个الرصيف مع خطواته وأسئلته المعقدة...كل ذلك أصبح جزءًا منه". تصور الأبیات الأولى كيف استبدلت الأرض والشمس والقمر بكل مشاهداته اليومية، مما يعكس الشعور بالامتداد إلى العالمية وسط القيود المحلية الشخصية. حتى الأشياء الصغيرة مثل قطعة ورق تم انتزاعها من الانجيل أو ملح الدموع على الجدران، يصبح لكل منها مكان في عالمه الخاص. ولكن رغم كل هذا، هناك شعور عميق بعدم الاستقرار داخل النفس البشرية - وهو ما يأتي بشكل واضح عندما يقول درویش: "اسمí؟ وإن أخطئت تلفظه بخمس حروف أفقية التركيبة، لی。看مهذه الأحرف التي تشكل هويتي ليست إلا أسماء لأجزاء المتعدد المختلفاتی."
ثم تأخذ القصيدة منعطفًا أكثر فلسفية: "وأصدقائي الذين قد يكونون هنا أو هناك، وجسدی المؤقت سواء كان حاضرًا أو غائبًا..." وفي تلك اللحظة يتساءل الشاعر حول هویتی الإنسان وهالة الزمان والمكان. إنه يقترح أنه مهما كانت أحجامنا صغيرة نسبياً، فإن وجودنا يستحق الاحترام والتذكر. لذلك فهو يطلب لنفسه مترا ونصف متر من هذا التراب كقطعة أرض شخصية له ولحياته الآتية أيضًا. أما باقي المساحة فهي لمنظر طبيعي جميل وعابر سيجده يومًا ما حين يغادر العالم.
وفي النهاية، يصل بنا الشاعر إلي نهاية مؤثره حيث يقول: "أما انا فقد امتلأت بكل اسباب الرحيل فلستُ لي. انا لستُ لي..." هذه الجملة الأخيرة تحمل الكثير من التعقيد والمعنى العميق. إنها اعتراف بأن الروح البشرية دائما تسعى نحو الحرية وعدم التقيد بطرق وعادات المجتمعات والثقافات المألوفة وغيرها. إنها دعوة للتأمل فيما إذا كانت حياتنا حقا ملك لنا ام أنها مجرد ظواهر تزيف واقعنا الحقيقي الداخلي.
هذه القصيدة هي دليل قاطع لموهبة درویش وإتقانه لإيجاز الأفكار الكبيرة واستخراج المشاعر الإنسانية المضطربة بطريقة بسيطة وبلاغية للغاية.