محمود درويش، الشاعر الفلسطيني العالمي، لم يغيب فقط بصمت ولكن أيضاً بطريقة ملفتة للعناية الإنسانية. توفي الشاعر المخضرم في التاسع من أغسطس/آب عام 2008، بعد عملية جراحية قلبية أجراها في مستشفى بمدينة هيوستن الأمريكية نتيجة المضاعفات الطبية. لكن دفنه كان حدثاً وطنياً بارزاً، فبعد مراسم تأبين رسمية، نقله فريق طبي خاص إلى وجهته الأخيرة - رام الله، المدينة الواقعة في شمال غرب الضفة الغربية المحتلة والتي اعتبرها درويش موطن روحه ومصدر إلهام شعره.
ولد الشاعر الكبير في العام 1941 في بلدة البيرة القريبة من القدس الشرقية، وهو ينتمي لأصول فلسطينية متجذرة عميقاً في التاريخ والتراث الثقافي والديني للشعب الفلسطيني. حياته كانت مليئة بالأحداث والأعمال الأدبية المهمة. خدم كمدير لمركز البحوث للفلسطينيين في لبنان، وعمل لاحقاً كمستشار أدبي لرئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك، ياسر عرفات. كما شغل مناصب هامة أخرى داخل المنظمة الوطنية الفلسطينية مثل رئاسة تحرير جريدة الكرمل الشهيرة ونشاطاته الدبلوماسية العديدة الأخرى.
إلا أن اللحظة الأكثر تأثيراً في تاريخ حياة درويش جاءت عندما قرر مغادرة الوطن مرة ثانية نحو لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٨٢ . ظل هناك حتى عام ١٩٨٧ قبل أن يعود مجدداً لاستقرار جديد هذه المرة ليس في بيروت وإنما في جزيرة قبرص الصغيرة. هنا عاش دورًا مهمّاً آخر كعضو مؤثّر ضمن المجلس التنفيذي لمنظمة التحرير حتى استقالته المثيرة للجدل ضد توقيع اتفاقيات أوسلو مع الاحتلال الإسرائيلي عام ١٩٩٣ مما زاد شهرته العالمية وشعبيته لدى القاعدة الشعبوية المؤيدة لها.
بالعودة لدفنه الأخير فقد شهد جثمان درويش مراسم عزاء ضخمة حضرها الآلاف من المواطنين المحليين والإقليميين بالإضافة لكبار المسؤولين الحكوميين منهم الرئيس الفلسطيني الحالي حينها الدكتور محمود عباس (أبو مازن). وتم وضع تابوت الشاعر الراحل داخل مقبرة صغيرة خاصة بموقع ثقافي معروف باسم "بيت لحم" الموجود بالقرب من مدينة رام الله نفسها. ليظل بذلك رمزًا خالدًا لكل الذين يسعون للأمان والاستقلالية الفلسطينية رغم الظروف القاسية التي فرضتها عليهم قوة احتلال غاشمة عبر عقود طويلة من الزمن.