يُعدّ مفهوم "الوطن" أحد أهم المفاهيم التي شغلت بال الشعراء العرب منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا. فقد كان للشعر دور بارز في استكشاف وإبراز معاني ومفاهيم مختلفة حول الوطن عبر التاريخ. سنستعرض هنا كيف تطورت هذه الفكرة وتنوعت انعكاساتها بين مختلف الحقب والعصور الأدبية في الشعر العربي.
في العصر الجاهلي، اتخذ مفهوم الوطن طابعاً قبلياً، حيث كانت الولاءات تتجه نحو القبيلة كمصدر للهوية والانتماء. يظهر ذلك بوضوح في أشعار زهير بن أبي سلمى وخفاف بن ندبة وغيرهما الذين غنوا فخراً بشجاعة أبناء قبائلهم ودفاعهم عنها ضد الأعداء. إلا أنه حتى وهذه المرحلة المبكرة، بدأت بوادر اهتمام آخرين بالقومية العربية والإنسانية العامة ظهوراً خافتاً. مثال على ذلك قول امرؤ القيس: "ألا هل أتاك نبأ فارس إذ هلكوا... فأصبحت كأن لم تكن عقر دار". وفي هذه القصيدة، يعبر الشاعر عن حزن عميق لفقدان أرض وأناس أحبوها، مما يشير إلى بداية ظهور مفهوم أوسع للوطن خارج حدود القبيلة الضيقة.
مع مجيء الإسلام وانتشار الدعوة الإسلامية، تغيرت مفاهيم الانتماء مرة أخرى. أصبح المسلمون ينتمون لدولة واحدة هي الدولة الإسلامية، وكان شعور الوحدة الدينية والتاريخ المشترك يقوي روابط الأخوة الوطنية بين المسلمين بغض النظر عن خلفياتهم الطائفية المتنوعة. كتب حسان بن ثابت رضي الله عنه العديد من الأشعار التي تؤكد على هذه الروح الجديدة للمواطنة العالمية للمسلمين قائلاً:" إنما المؤمنون إخوة...". كما صور البحتري وصفي الدين الحلي رؤيتهم لمدينة بغداد باعتبارها مركز العالم الإسلامي الموحد والحصن الأمين للأمة المحمدية الواحدة.
وفي عصر النهضة العربية الحديثة، تأثر الشعراء بشكل كبير بتجارب الاستعمار الغربي وحركات التحرر الوطني الناشئة آنذاك. اعتبرت أعمال أحمد شوقي وعمر أبو ريشة واحمد محرم وغيرهم رمزا للتعبير عن الحنين لوطن عربي حر مستقل قادر على مواجهة الاحتلال الخارجي والدفاع عن ثرواته الطبيعية والمعنوية. كتب محمود سامي البارودي مثلاً: «يا وطناً» لإثارة مشاعر الشعب المصري ضد الاستعمار الفرنسي والاستعماري الآخر حين ذاك. وهكذا، بدأ مفهوم الوطن يأخذ بعداً قومياً عربياً هو الأقرب لعقول الكثير ممن عاشوا تلك الفترة المضنية من تاريخ البلاد العربية.
وبحلول القرن العشرين وما تبعه من نزاعات وعدوان دولي متزايداً، تميز شعر المقاومة الفلسطينية خاصة بإكسابه خاصيته الخاصة جدا المرتبطة بمأساة الهجرة والتشرد الفلسطيني الناتجة عن نكبت عام ١٩٤٨ والتي سبقت اغتصاب فلسطين فيما عرف فيما عرف لاحقاً باسم النكسة سنة ١٩٦٧ . ومن ضمن أمثلة هؤلاء الشعراء إبراهيم طوقان وسليمان ناصر وفدوى طوقان وأحمد دحبور وجورج حداد وكامل عواد وغيرهم كثيرون. وقد صدحت قصائد هؤلاء الشعراء بصوت عالٍ مدافعًا عن حق اللاجئين المسلوب بحقه القانوني غير قابل للنقاش ;حيث يدعون للعرب وللشعوب المستضعفة الحق كاملاً باستعادة حقوقه المهدرة؛ مثل قوله فدوى طوقان الشهير :
"على أنقاض القدس سنبني بيتنا". فهي تبشر وترسم مشهد الاحتفال بالنصر الكبير المنتظر مهما حاول مغتصبو الأرض التشويش عليه بالسلاح والصمت الإعلام العالمي المخزي تجاه الحقائق التاريخية الملحة.
ومن الجدير ذكره كذلك تحولات الرؤية المنصفة لتطور مصطلحي "الوطن" و"الجغرافيا السياسية"، فقد تعاون بعض المثقفين والفلاسفة مع المناضل ماركس لينتقدوا نظريات أصحاب ميول استعمارية قديمة ظلت تسعى لبسط النفوذ الظالم عبر فرض سيادة أقوى الدول الاقتصادية والثقافية عليهم وعلى بلدانهم الأصلية! لذلك دعا رواد التنوير الثقافي والقومي لكل دولة وطنية تقرير المصير الخاص بها مستقلة تماماً عن التدخل الأجنبي الإراداتي لأجل تحقيق استقلال الإنسان بكل تفاصيل حياته بما فيها ابداعه الفكري والأدبي والثبات الكوني له أمام كل جبروت الاستعمار مهما تجدد شكله وطريقة التسلق فوق الوجود الإنساني..وهناك عدة نماذج لسورياليين عرب ممن حمل نفس الرسالة المعبرة عن نفسها فقط وهي الحرية بلا ضوابط خارجية مقيتة كالرأسمالية المتفشية وزيف اعلامها المقنع المُروج للحروب الصورية المدمرة للإرادة والكرامة البشرية أساس الانسان نفسه ! امثال عبد الرحمن منيف ونزار قباني ويوسف السباعي إدريس ناجي وغسان كنفاني وكل هؤلاء الاخرين الذين عملوا جميعآ لصالح نشر ثقافة مقاومة للاحتلال وضده بأشكاله المختلفة سواءٌ كانت مباشرة كاتهام مباشرة صفقة القرن وما تلاها من تصرفات مخزية للدول الغربية المتحكمة بالعالم اصحاب القرار–أوغير مباشرة كتناول الأبعاد النفسية والجسدية لقضايا البطولة الوطنية المجابهة للاستعمار سواء القديم منه الحديث.. وبالتالي فإن انطباق المواطن داخل دولتـِـه ليس مجرد حاجزة مادية ولكن رسامته الذاتية أيضا لها دوراً هاماً للغاية بالإعلان علنيا لحقيقته داخليا وخارجيا ...بذلك ستكون حياة الأفراد أكثر دفئا وثقة بالنفس وصلابة أمام هول الصدمات الخارجية وما بعد الحرب; فالسياسة الثقافية الادبية قادرة بشكل فعال جدًا علي تشكيل نظرية جسم المجتمع وشكل وجوده