ولد الأصمعي، وهو عالم لغوي عربي شهير ومؤرخ أدبي بارز، في مدينة البصرة الواقعة جنوب شرق العراق حاليًا. وُلد سنة 129 هـ/746 م -وفق التقويم الغربي- لعائلة لها تاريخ حافل بالمكانة الاجتماعية الرفيعة والمعرفة الثقافية الواسعة. وقد ارتبط اسم هذه المدينة ارتباطًا وثيقًا بحياته ودراساته الأكاديمية المبكرة تحت رعاية الأستاذ أبي عمرو بن العلاء المؤسس الشهير لمدرسة البصرة النحوية القديمة. عاش الأصمعي حياة نجاعة وفقودة، امتدت لأكثر من ثمانين عاما حتى وفاته عام 203 هـ /818 م. عرف بروحه الطيبة ونزاهته وجدّه في طلب المعرفة، مما جعله مرجعا مؤثرًا لدى علماء عصره وأجيال لاحقة.
اشتهر الأصمعي بمواهبه المتنوعة في مجالات مختلفة مثل الأدب والشعر والنقد اللغوي وحتى الطب القديم وعلم الأحياء. تعددت تأليفه وكان له دور فعال في جمع وإعداد دواوين شعر صدرت قبل عصور الإسلام الأولى بتوجيه منه وتوجيه معاصريه. اشتهرت بعض أشهر مؤلفاته بما فيها "خلق الإنسان" و"الأنواء" و"الأجناس". ساهم بشكل كبير أيضا في تعليم أبناء الخليفة هارون الرشيد أمير المؤمنين آنذاك، الأمر الذي أكسب شهرة واسعة لاسم الأصمعي وتميزه الفريد بين نظرائه المقربين منه. أثنى عليه كبار رجال الأدب والفكر وقتها منهم إمام الدعوة الإسلامية موفق الدين ابن قدامة المقدسي والإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى جميعاً. لقد ترك لنا هذا الرجل الموسوعي نظاما مكتوبا شاملا حول فن التعليق والتحليل الأدبي للشعر العربي الجاهلي والمتقدم، بالإضافة لبراعته في دراسات أخرى كالطب والصوتيات والطبيعة وغيرها الكثير مما يعكس براعة رجل واحد استطاع الجمع بين مختلف علوم زمانه بثقل ثقافته واتساع آفاق تفكيره. إن مكان ولادته رغم بساطتها إلا أنها تحمل قصة عظيمة لتاريخ إحدى أكثر الشخصيات تأثيرًا ضمن المشهد المعرفي والثقافي للعصر الأموي والعباسي بكل فتوحاتهما الحضارية المشرقة والتي مازالت تنير طريق المستقبل حتى اليوم!