تعتبر العينان النافذة الروحية التي تعكس مشاعر الإنسان وأحلامه وألمه. إنها جزء أساسي من هويتنا الفردية وتجسيد قوتها النفسية والمعنوية. لكن ماذا يحدث عندما نفقد القدرة على الرؤية؟ هذا ليس مجرد فقدان حسي، بل تحدي معنوي ونفسي عميق يواجه العديد ممن يعانون من العمى أو ضعف البصر. "انظر حينما تفقد عينيك"، قد يبدو العنوان صادماً ولكنه يدعونا لاستكشاف كيف يستطيع المرء استشعار العالم حتى بدون تلك النوافذ البصرية.
في عالم يُقدر فيه الإدراك الحسي كأداة رئيسية للتواصل والتفاعل الاجتماعي، فإن فقدان البصر يمكن أن يشكل عقبة كبيرة أمام الشعور بالانتماء والاستقلالية الذاتية. ومع ذلك، بدلاً من قبول العجز والاندثار، هناك الكثير ممن وجدوا طرقاً جديدة لإعادة اكتشاف العالم حولهم بطرق غير مرئية. هؤلاء الأفراد يستخدمون سمعهم وحواسهم الأخرى بشكل مكثّف لإنشاء صورة ذهنية للبيئة المحيطة بهم.
الأصوات المختلفة - زقزقة الطيور، هدير السيارات، خطوات الناس – تصبح أدوات لتشكيل خريطة داخلية للعالم الخارجي. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم البعض تقنية braille، وهي نظام كتابة خاص للمكفوفين، والتي توفر طريقة مثيرة للاهتمام للتعامل مع اللغة والمواد المطبوعة. هذه الوسائل ليست فقط أدوات دعم، ولكنها أيضاً تمكن من تنمية مهارات فريدة تساعد في بناء حياة مستقلة ومثمرة رغم الظروف الصعبة.
لكن الرحلة نحو التعافي بعد خسارة البصر ليست سهلة دائماً. غالباً ما تواجه الأشخاص الذين تعرضوا لفقدان البصر مجموعة متنوعة من المشاعر مثل الغضب والحزن والشعور بالعجز. بالنسبة للبعض، قد تكون هناك مقاومة أولية لكيفية إدراك الواقع الجديد وكيف سيتحول دورهم ضمن المجتمع والعائلة. ومع ذلك، بمرور الوقت وبمساعدة الأقارب والمعالجين المهنيين، يتمكن العديد من إعادة تعريف ذاتهم واكتشاف مواهب واهتمامات لم تكن واضحة قبل المرض.
إحدى القصص المحفزة هي قصة الفنان البريطاني جون براوننج الذي فقَد بصره نتيجة مرضٍ في عينه أثناء دراسته الجامعية. عوضا عن الاستسلام للألم والخيبة، بدأ باستخدام شعوره القوي بالألوان والصوت لابتكار أعمال فنية رائدة تستخدم اللمسة ثلاثية الأبعاد والإضاءة الخاصة لنقل المشاهد إلى تجربة بصرية حسية مميزة. نجاح براوننج وغيره من الأعمال المثابرة يؤكد أنه حتى عند فقدان إحدى أهم الأدوات المعرفية لدينا، يبقى لدينا القدرة على خلق جمال جديد واستكشاف آفاق غير متوقعة للحياة الداخلية.
بالتالي، عندما ننظر مباشرةً إلى العنوان "انظر حينما تفقد عينيك"، لا ينبغي النظر إليه باعتباره طلبًا للسخرية أو التقليل وإنما دعوة للتحقق مرة أخرى مما حققه البشر عبر التاريخ؛ لقد أثبت الانسان باستمرار قدرته على التأقلم والازدهار تحت أصعب ظروف الحياة وذلك بإطلاق قوة التفكير والإبداع داخله والذي يعد أحد أكثر الجوانب الإنسانية روعة وصلابة.