في سطور الشِّعر الإسلامي الأولى، برزت غزوة بدر كحدث تاريخي ومفصل ديني بارز أثّر بشدة في تشكيل هوية المجتمع المسلم الوليد. تميزت هذه الغزوة بجلاء الحق على الباطل، وظهور قوة الإيمان والثبات أمام تحديات قاسية. وقد عكس شعراء ذلك العصر عمق انطباعاته وأثرتها، مما أسفر عن مجموعة راقية ومتنوعة من القصائد التي تعكس روعة الحدث وتقدير لأهميته الدينية والتاريخية.
بدايةً، نجد الشعر الحماسي لـ حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وهو أحد الشعراء الذين شاركوا مباشرةً في تلك المعركة البطولية. كتب حسان أبياتاً توضح شجاعة الأمة الإسلامية الجديدة وشراستها، كما يشيد بحكمة ونبوءة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. يقول حسان: "لبيك يا محمدٌ ما عليك حرجُ// قد عصفت رياحُ الحرب فانتظم". هنا، يدعو إلى طاعة النبي ويؤكد الثقة العمياء بالنبؤات النبوية بشأن الانتصار القادم.
من جانب آخر، سلط عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- الضوء على الجانب الروحي لغزوة بدر عبر شعرته الشهيرة حول معراج خديجة بنت خويلد زوجة الرسول الأولى. فخلال رحلة المعراج، زار جبريل منزل زوجته الوفيّة، ليخبروها بأنّ الله سيرسل لها النبي المصطفى كزوج جديد لها بعد وفاة ابن عمها أبو طالب. يعبر عمر بحرصه هذا عن تقديره للدور الكبير الذي لعبته العقيدة والأخلاق الإسلامية قبل وبعد هذه الغزوة الفاصلة.
كما تجسد قصيدة أبي الطفيل عامر بن واثلة صورة مشاهد الملحمة بشكل حيوي دقيق للغاية. تصور قصيدته جوهر مشهد المدافعين المسلمين أثناء مواجهتهم لمجموعة كبيرة نسبياً من جنود المشركين في ظل الظروف الطبيعية الصعبة لساحل البحر الأحمر والشمس الشديدة. فهو يرثي للشهداء ويتذكر تفاصيل العمل البطولي لإخوانهم المؤمنين. إنّه يصف بدقة شديدة مشهد اللقاء العنيف بين الفريقين وكيف قلب الصحابة هيكل الموازين لصالح العدالة والدفاع عن الدين الجديد.
وأخيراً، يمكن اعتبار أشعار زهير بن أبي سلمى مثال رائعا للحنين الوطني المرتكز علي إيمان عميق بالإله الواحد حسب محاكاة لدوره الرئيسي داخل مجتمع مكة المكرمة آنذاك. يؤرخ لشخصيته الخاصة والعلاقة المتينة الموجودة منذ فترة طويلة بين قبيلة مضر وبني عبد المطلب ولعب دور مهم خلال فترات التفاوض والمفاوضات السياسية فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية المحلية والنزاعات الداخلية والخارجية ذات التأثير السياسي والقانوني الأخلاقي العميق ضمن بيئة ثقافية متعددة الطبقات سياسياً ودينياً وعسكرياً واجتماعياً وثقافياً وسيكولوجياً أيضاً .
بهذه الأمثلة وغيرها الكثير، تبقى اشعار غزوة بدر شاهداً مفعماً بالأثر الوجداني والفكري للأحداث المركزية لتكوين الدولة العربية الإسلامية الحديثة والتي ابقت بصمتها محفورة بروحانية وحماس ووطنية حتى الآن وعلى مر الزمان!
