يُعدّ العالم الجليل أبو محمد عبد الله بن أحمد بن طيفور، المعروف بابن أبي الحديد، أحد أشهر العلماء في العصر الأيوبي وعالم فقه وفقيه مسلم بارز. وُلد ابن أبي الحديد حوالي عام 515 هـ/1122 م وتوفي سنة 654 هـ/1256 م تقريبًا. ساهم بشكل كبير في تطوير الفكر الإسلامي والفقه الشيعي الاثني عشري خلال فترة حكم الدولة الأيوبية والدولة الزنكية.
نشأ ابن أبي الحديد بمدينة حلب، وتلقى تعليمه الديني على يد كبار علماء عصره مثل الشيخ محيي الدين النووي والقاضي حسين القزويني. اتسمت آراءه ومؤلفاته بتعميق فهم النصوص الشرعية واستخدامها لتوضيح مسائل العقيدة والفقه المختلفة. كان له دورٌ رائدٌ في توضيح أحكام الأحوال الشخصية والعقوبات ضمن نظام التشريع الإسلامي. كما برع في علوم اللغة العربية والشعر والأدب مما جعله مرجعاً موثوقاً لدى العديد من الباحثين والمفكرين آنذاك.
من أهم مؤلفاته "شرح نهج البلاغة"، وهو شرح موسوعي لأعمال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويعتبر هذا الكتاب مصدراً أساسياً لفهم أدبيات الخطب والشعر عند الشيعة الإمامية. بالإضافة إلى كتاب "نقض أصول المعتزلة" والذي تناول فيه نقد أفكار الفرقة الاعتزالية التي ظهرت في ذلك الوقت والتي كانت لها تأثير سلبي واضح على المجتمع المسلم آنذاك.
بفضل جهوده العلمية الواسعة ونظراته الثاقبة للأحداث التاريخية والدينية، أصبح ابن أبي الحديد واحداً ممن تركوا بصمة واضحة في تاريخ الفقه الإسلامي. وقد أثرت كتبه ورسائله حتى بعد وفاته وكان يُعتبر رمزا للحكمة والمعرفة بين المسلمين عبر القرون التالية لإنتاجاته العلمية الغنية.