بدايةً، يُعتبر تاريخ النقد الأدبي عند العرب جزءاً أساسياً من تراث الثقافة الإنسانية. هذا المجال لم يقتصر فقط على التحليل والتقييم للأعمال الأدبية؛ بل شمل أيضاً دراسة اللغة العربية وآدابها. يعود أصل النقد الأدبي إلى العصور الإسلامية الأولى عندما بدأ الشعراء مثل حسان بن ثابت وغطفان بن الخزاعي في كتابة الشعر والنثر. لكن يمكن تتبع الجذور الأكثر عمقاً للنقاد الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ النقد الأدبي العربي.
في القرن الثاني الهجري، ظهرت أولى المحاولات المنظمة لنقد ومراجعة الأعمال الفنية والأدبية. كان أبو الطيب المتنبي أحد أشهر شعراء عصره وكان له تأثير كبير في تشكيل نهج جديد في النظر إلى الشعر. أدخل طريقة جديدة في القراءة النقدية للشعر التي ركزت على البلاغة والمحتوى أكثر من الشكل الخارجي.
مع تقدّم الزمن، تطورت أساليب وأنظمة النقد الأدبي بشكل مستمر. في القرن الرابع عشر الميلادي تقريباً، برز اسم ابن خلدون كأحد رواد الأفكار الجديدة فيما يتعلق بالنظر إلى الفن والعلم والأدب. حيث قدم نظرة شاملة ومتكاملة حول دور المجتمع والثقافة في تشكيل الإبداع الفني والأدبي.
وفي القرون الوسطى، ظهر نقاد بارزون آخرون مثل أبي هلال العسكري والدمشقي والقاضي الفاضل وغيرهم ممن ساهموا بتعميق المفاهيم الحديثة للعلاقات بين النص والإطار الاجتماعي والسياق التاريخي. بالإضافة لذلك، فقد اهتم هؤلاء النقاد بدراسة خصائص الكتاب والشعراء واستخدام هذه الدراسات لتحديد مستوى الأداء والنقد بناء عليه.
بالانتقال إلى عصر النهضة العربية الحديث، شهدنا ظهور مذاهب نقدية مختلفة مثل الجماليّة والوضعية والتي كانت مدفوعة بمخاوف اجتماعية ذات علاقة مع الحداثة والتقدم العلمي والصراع ضد الاستعمار الغربي. هنا برز شخصيات ملهمة مثل طه حسين وعبد الرحمن بدوي ومعروف الرصافي الذين شكلوا رؤية جديدة للنقد الأدبي بما يحقق الارتباط بتاريخ وتراث البلاد بينما يستوعب أيضا التأثيرات الخارجية ويستعرض مواطن قوة وضعف تلك الآثار.
الخاتمة هي أنه رغم عدم وجود مدرسة واحدة موحدة، إلا أن مسيرة النقد الأدبي عند العرب قد تغيرت بشكل جذري منذ نشوئها المبكرة حتى وقتنا الحالي. إنها قصة طويلة تعكس مرونة اللغة العربية وثرائها وهي القدرة المستمرة للمملكة الأدبية على التكيف مع البيئة الاجتماعية والسياسية المتغيرة منذ قرون عديدة ماضية وحتى اليوم.