يعد كتاب "لسان العرب"، أحد أهم أعمال مرجعية اللغة العربية عبر التاريخ، عملاً رائداً ترك بصمة لا تمحى في مجاله. المؤلف الرئيسي لهذا الكتاب هو العلامة الفذ، محمد بن مكرم البغدادي، المعروف أيضًا باسم ابن منظور الإفريقي. ولد هذا العالم الجليل حوالي العام 630 هجرياً/1232 ميلادياً، وترعرع وتعلم في مدينة تلمسان بالمغرب قبل أن ينتقل إلى بغداد لدراسة علوم الدين والفقه واللغة.
بدأ ابن منظور بتجميع معجمه الكبير منذ سن مبكرة جدًا، مستوحياً أفكارَهُ وملاحظاته حول الخصائص الصوتية والمعاني المختلفة لكافة مفردات العربية بكل أشكالها الدارجة والأدبية والقرائن الثقافية المرتبطة بها. ومن الجدير بالذكر أنه لم يقتصر عمله فقط على جمع المصطلحات بل تعمق أيضاً في دراسة السياقات والتراكيب النحوية والاشتقاقيات وغيرها مما يحتاج إليه المتحدثون والإصلاحيون اللغويّين.
على الرغم من عدم اكتماله خلال فترة حياة المؤلف بسبب وفاته سنة 711 هـ /1311 م ، فقد استمر العمل فيه بعد ذلك بأيدي طلابه وأصحابه الذين أمضىوا سنوات طويلة لإنتاج النسخ الأخيرة منه والتي ما زالت تحتل مكان الصدارة بين مراجع علم مصطلح العربية حتى يومنا هذا. ويؤكد نجاح الكتاب العالمي ليس بمجمله الهائل فحسب وإنما أيضا بدقة التصنيف وإتقانه واستيعاب شروحاته لسائر جوانب استخدام الحروف والكلمات الموجودة داخل لغتنا الأم. إنه بالفعل شاهد حي على عبقرية وانجازات الرجل الواحد في ضبط وتحقيق تراث ثقافي غني ومتنوع حقا!