كان أبو الأسود الدؤلي، واسمه الكامل عبد الله بن قيس بن حضير العامري الدؤلي، أحد رواد العصر الأموي وأحد الشخصيات البارزة في تاريخ الثقافة والنحو العربي. يُعرف بأنه مؤسس علم التصحيح ("التصحيف") وهو أول من قام بوضع قواعد لكتابة اللغة العربية وتوحيدها بعد فترة الفتوحات الإسلامية الواسعة. ولد أبو الأسود حوالي عام 61 هـ/680 م وتوفي سنة 94 هـ/712 م تقريبًا.
كانت مساهمات أبي الأسود حاسمة في الحفاظ على وحدة ووضوح اللغة العربية خلال تلك الفترة المضطربة. قبل عمله، كانت كتابة النصوص الأدبية تواجه مشاكل بسبب اختلاف القبائل والأقاليم حول كيفية نطق ومراسيم الكلمات. ومن هنا جاءت أهميته باعتباره أول شخص يقوم بتصنيف نظام قياسي للنحو العربي بناءً على الفصحى التي كان يقرأ بها القرآن الكريم.
إنشاء أبجدية ثابتة لتدوين الأحرف هو جزء آخر من تراثه الثمين. فقد طورت خط "النقط"، المعروف أيضًا باسم الخط النقطي، لتمييز الأحرف المتشابهة مثل الراء والزاي والباء وغيرها من الأحرف المربوطة والموقوفة مما ساعد بشدة في فهم معنى الجمل المكتوبة بشكل أكثر دقة.
بالإضافة إلى ذلك، قدم أبو الأسود خدمة كبيرة للعلوم الإنسانية من خلال وضعه لمبادئ الترقيم والإعراب داخل الجملة. وقد لعب هذا النظام دورًا أساسيًا في تطوير منهجيّة دراسة وتحليل الشعر والشعر الحديثان والعروض النحوية الأخرى عبر الأزمان المختلفة.
في المجال الاجتماعي والديني، يعد أبو الأسود مؤثرًا للغاية؛ فهو معروف بدوره ككاتب الرسائل الخاصة وخبير الشؤون الملكية لسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ثم لاحقاً لعبد الملك بن مروان. تُظهر هذه العلاقات مدى تأثيره وكفاءته في التعامل مع شؤون الدولة والحكم.
وبالتالي فإن إرث أبو الأسود الدؤلي يمتد إلى ما هو أبعد بكثير من مجرد مهاراته الكتابية؛ إنه رمز لإرساء أساس العلم والفكر المنظم للعربية وفي الوقت نفسه إنقاذ لغتها الموحدة وسط تنوع كبير عالمياً وعروياً أيضاً خاصة أثناء انتشار الإسلام غرباً وشرقاً . يندرج إسهاماته تحت فئة "الصناع" الذين يشكلون نواة تقدم الشعوب ويخضعون لقوانينهما الاجتماعية والثقافية والمعنوية..