في رحاب الأدب العربي القديم، يُبرز الشعر الجاهلي مكانة خاصة للمرأة وتأثيرها الكبير رغم الظروف الاجتماعية القاسية التي عايشتها المجتمعات آنذاك. هذا النوع الفني الغني يعكس كلاً من الصورة النمطية التقليدية للمرأة ومع ذلك يقدم أيضاً نماذج لأدوار أكثر تنوعاً ومكسباً للأنثى. إن الشاعرات اللواتي برزن خلال هذه الحقبة التاريخية - مثل "عنترة بن شداد" و"حسان بن ثابت الأنصاري"- قد ساهموا بشكل فعال في رسم صورة المرأة ليس فقط باعتبارها أمّاً وزوجة ولكن أيضًا كمقاتلة شرسة وشاعرة موهوبة.
كما سلط الشعراء الرجال الضوء على العديد من سمات شخصية المرأة المتعددة الأبعاد؛ فهي الأم الرؤوم والمجنونة المحبوبة والشريكة الحربية والصديقة الوفيّة. ومن أشهر القصائد التي تعكس هذا التنوّع هي قصيدة لبيد بن ربيعة العامري الشهيرة والتي تبدأ بكلمات "عليها العضباء والخضراء"، حيث يخاطب فيها عشيقته ويصف جمال الطبيعة بطريقة تشبه وصف محاسن محبوبته.
وبالتالي فإن الشعر الجاهلي لم يكن مجرد انعكاس لما كان عليه الواقع الاجتماعي حينها فحسب، بل إنه عمل أيضا كمصدر للإلهام والتغيير المستقبلي. فقد مهد الطريق لتطور أدوار المرأة واستقلالية الأفراد داخل المجتمع الإسلامي لاحقًا وانتقالا نحو عصر النهضة الذي شهد تغييرات جوهرية فيما يتعلق بحقوق الإنسان عموما وحقوق النساء خصوصا. وهكذا يمكن اعتبار الشعر الجاهلي جزء مهم جداً من تاريخ الثقافة العربية والإنسانية عامة نظرا لقدرته الفائقة على تسجيل الاحداث وتقدير دور جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن جنسهم.