في سطور المتنبي، يبرز مفهوم العزة بالنفس كقيمة أساسية تُمثل روح الشجاعة والإقدام. هذا الأديب العربي الكبير, أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي الكندي المعروف باسم "المتنبي"، يتميز بشعر مليء بالأمثال والحكم التي تعكس فخره الشخصي وتقديره لقيمة الإنسان الحر. سنستعرض هنا بعض الأبيات الشعرية التي تستحضر معنى العزة والنبل الإنساني وفق رؤية المتنبي.
"ليس مثلَكَ مُنعتُ مُكرماً ولكِنْ / ما أنا بمَنَعِ إذا لم تكن تمنعْ"
هذه الآية توضح مدى أهمية الاحترام الذاتي وعدم قبول الإذلال مهما كانت الظروف. يعبر المتنبي هنا عن أنه لن يسامح نفسه على الاستخفاف بذاته كما لن يسمح للآخرين بذلك أيضاً. إنه يدافع عن شخصيته ويصرّفها بروح شجاعة وعزيمة راسخة.
وفي بيان آخر للعظمة الداخلية يقول:
"إنَّ العِزَّ ليسَ بِلَيْسٍ وَشَعا/ ولا بالثَّوب المُرصَّع والموضوعَا."
يشير البيت الشعري إلى أن قمة الوقار والأبهة ليست فيما يبدو عليه المرء من زينة ومظهر خارجي بل هي متعلقة برونقه الداخلي وبسالته الروحية والقيم الأخلاقية النبيلة. عزّة النفوس تأتي من داخلها وليست مجرّد مظاهر خارجية زائفة.
أما عندما يناقش قدر المرأة العزيزة فهو يؤكد قائلاً:
"وَلولا فضلٌ لي في ناسٍ وَمَرَّةً/ لَم أَرِد خِلال الناسِ إِلى حُسْنٍ".
يعترف هنا بأنه لو لم يكن لديه مكانة اجتماعية عالية وشأن معروف بين المجتمع لما سعى للحصول عليها عبر محاسنة الآخرين وأفعاله الصالحه - مما يعني رفضه لاستجداء الثناء والمساواة بمن هم أقل منه منزلة.
ويختتم المتنبي كلامه برسالة مباشرة حول طبيعة الحياة والعزيمة اللازمة لها:
"لا خيرَ فيهِ إنْ لم يُعطِي المساعيَ * صفراً ولم يكُن له ناصحاً صديقا."
يترجم ذلك بأن حياة الانسان ليست ذات قيمه إن لم تقدم شيئا للهمم ولم تحصد الصداقة الصادقة. هذا يعكس اعتباره للعلاقات البشرية الصحيحة كجزء حيوي ضمن بناء شخصية عزيزة. يستطيع المرء تحقيق رفعة مكانتِه فقط برفده لعلاقات طيبة ومعاملة حسنة للأقران والسعي الدؤوب لتحقيق الذات.
وبهذه القصائد المجيدة يخاطبنا ابن الحسن بتذكير دائم بالقيم الراسخة المرتبطة بالعزة والكرامة الشخصية الواجب المحافظة عليها بغض النظرعن محيط الخارج . إنها دعوة للاستقلالية والصمود أمام المصاعب ، وهو أمر يتطلب ثبات القلب والقناعة بما لدينا وليس مجرد امتلاك أشياء مادية غالبًا ماتزول بسرعة كالريح الزائلة!
