الشعر دائماً مرآة للحياة الإنسانية، يعكس مشاعر البشر ومعاناتهم وتجاربهم. وفي هذا السياق، يسلط الضوء على موضوع حساس وجوهري في العلاقات الإنسانية وهو "النفاق" أو "الخيانة" من جانب الأشخاص الذين يُفترض بهم كونهم أصدقاء. هؤلاء الذين يمكن وصفهم بالأصدقاء الظاهرين لكن خلف هذه الواجهة يوجد قلب بارد وغير صادق.

الحقيقة المريرة*

ليس هناك أجمل من الصداقة الحقيقية التي تقوم على الثقة المتبادلة والاحترام والعطف. ولكن الشعراء عبر التاريخ لم يغفلوا جانباً آخر لهذه المشاعر الجميلة؛ وهي خداع البعض واستخدام الآخرين لتحقيق مصالح شخصية. يقول الشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبي:

"أصحابُ الدهرِ مثلُ أمواج البحرِ إن غاب واحدٌ جاء الثاني".

هذه المقولة تشير إلى الطبيعة المتغيرة للأشخاص والمواقف، وكيف يمكن أن يكشف الوقت عن نوايا بعض الأفراد غير النقية.

علامات الخيانة والصديق المزيف

إذا نظرنا من خلال عدسات شعراء العرب القدامى والمعاصرين، سنرى عدة مؤشرات تدل على وجود شخص مزيف بيننا. أولها عدم الوفاء بالوعود والأفعال الدنيئة أثناء الأزمات. كما يؤكد العديد منهم على ضرورة اختبار الشخصية قبل الاعتماد عليها بشكل كامل:

كم من صديق باللسان! حين تحتاج إليه

قد لا يقوم بواجب وإن أتيت تستمد العون

ترى اعتذارا بعد رفْع حاجب مُستثنى

وتعسر الكلام عند الحديث أمام النفس

وللرؤية تغير واتجاه نحو الأعناق الأخرى (ابن معتوق)

بالإضافة لذلك، يشير الشعر أيضا إلى تغيير المحبة والأخوة عندما تتبدل ظروف الحياة:

تغيرت المودة والإخاء قليلاً,

فأصبح الصدق نادرا واختفى الأمل تمام الاختفاء

وسلمتهم الأمور لفريق مليء بالنفاق ولا يعرف الرحمة ولا الرحمة هي هدفه الوحيد.(الأحنف العكبري).

**التجربة والحذر**

وفي ظل تلك التجارب المؤلمة، يقدم لنا الشعر درس حي حول أهمية التحوط وعدم وضع الثقة العمياء بأي فرد مهما بلغت درجة قربك منه:

جرِّب صديقك قبل أن تصبح بحاجة اليه حقاً... فالصداقات التي تبدأ فقط بسبب الكلمات لن تبقى أكثر مما هي عليه الآن .(ابن الرومي).

**ختاما**

على الرغم من الألم والخيبة التي يجلبها النفاق والصديق المزيف، إلا أنها فرصة لتطوير فهمنا للعلاقات الإنسانية ومكونات الصداقة الحقيقية. إنها دعوة للاستمرارية في التعلم والتفاعل مع العالم من حولنا بطريقة أكثر يقظة وعناية. وبذلك فإن الشعر هنا ليس مجرد شكل فني جميل ولكنه أيضا مرشد روحي يساعد على توضيح الطريق المستقيم وسط متاهات العلاقات الاجتماعية المعقدة.