النابغة الجعدي، أحد شعراء العرب البارزين في العصر الجاهلي والإسلامي، ترك بصمة واضحة في تاريخ الأدب العربي بفضل قصائده التي امتدحت العديد من الشخصيات البارزة، بما فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هذه القصائد ليست مجرد أبيات شعرية جميلة فحسب، بل هي أيضًا وثائق مهمة تكشف عن تقدير ورعاية قبيلة الإسلام الأولى للنبي الكريم.
في إحدى أشهر قصائده، والتي غالبًا ما يُشار إليها باسم "قصيدته في مدح الرسول"، يستعرض النابغة الجعدي صفاته الفريدة والنبوءات حوله بطريقة ملفتة للنظر. يعكس هذا الشعر الجانب الإنساني للدين الإسلامي، وكيف يمكن للمرء أن يلتقي مع رسالة الرحمة والعطاء التي حملها رسول الله.
يبدأ الشاعر بإثارة الإعجاب بمكانة الرسول بين الناس قائلاً: "إن كنتِ تقصدُ الحبيبَ المختارَ/ فالنجومُ له دلالٌ وخبر". هنا، يقارن مكانة النبي بجلال كل نجم في السماء ليؤكد على موقعه الثابت كمرجع أخلاقي وروحي لجميع المسلمين. ويستمر في تصوير حياة النبي قبل دعوته، مشيرا إلى كرمه وتواضعه وتقواه حتى عندما كان شابا غير متزوج.
كما يتناول النابغة الجعدي المواجهة التاريخية الشهيرة للرسول مع زعماء قريش في مكة المكرمة أثناء الدعوة للإسلام. وفي وصف هذه اللحظة المهمة يقول: "فلم يضعْ خديجهُ طرفَه عنه/ ولا ارتجاعاً رجيّ عينيّه". تشير هذه الأبيات إلى ثبات إيمان زوجته وخادمه الثاني عبد الله بن أم مكتوم خلال تلك المحنة الصعبة.
بالإضافة لذلك، يدعم النابغة ادعائه بأن النبي هو الخيار الأمثل للهداية عبر إشارة رمزية للقمر والشمس. فهو يدعو القراء للتخيل أنه إذا اختار الله الشمس بدلاً من القمر لتكون دليل رحلة المؤمنين نحو طريق الهداية، لن يتمتع المسلمون بالضوء اللازم للجماعة الليلية والصلاة الليلية المناسبة لعبادة رب العالمين.
وفي نهاية المطاف، يؤكد النابغة الجعدي على دور النبي كمصدر للحكمة والقوة الروحية المنبعثة من شخصيته الطاهرة. فهو يشرح كيف أثرت شخصية محمد صلى الله عليه وسلم بشكل عميق على جميع من قابلوه سواء كانوا مسلمين أم لا، مما جعل لهم منزلة خاصة لدى الآخرين.
وبذلك فإن قصيدة النابغة الجعدي تعتبر شاهد حي على الاحترام والتقديس الواسع الذي اكتسبه النبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ بداية حياته حتى بعد وفاته. فهي تعكس الرؤية الإسلامية للعظمة الأخلاقية والدينية لرجل واحد أصبح رأس الحق والرشاد للأمة جمعاء.