تعتبر الأشعار العراقية جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العراقية الغنية، وهي تعكس تاريخ البلاد وحكاياتها وأوجاعها. هذه الأبيات الشعرية ليست مجرد كلمات، بل هي نغمات تنادي بالحياة والأمل رغم الظروف الصعبة التي عاشها العراق عبر التاريخ. سنتعمق اليوم في بعض أشهر القصائد العراقية الشعبية ونستعرض جماليتها ومعانيها العميقة.
لقد كانت للأشعار الشعبية دور بارز في نقل المشاعر والقضايا الاجتماعية والسياسية للشعب العراقي. وفي ظل الحرب والصراع المستمر منذ عقود طويلة، امتزجت الحزن والحنين إلى وطن خراب ولكنه يستحق الحياة بكل ما فيها من مشقات. إحدى هذه الأشعار الرائعة هي قصيدة "كلو حتى السعف" لشاعر مجهول والتي تصور حالة الفراق المؤلمة بين الإنسان ومقدسات أرضه:
"كُلُّهَا حَتَّى السَعْفِ وَالتِّمْرِ وَالجُمَّارْ،
وبقى الجذع مشتعلاً بالنّيران."
إن تشبيه الأرض بفروع النخيل المحترقة يعكس مدى الألم والعجز أمام فقدان الثروات الطبيعية والمواقع التاريخية المهمة مثل آثار سومر وبابل وغيرها. أما قصيدة أخرى تحمل بصمة الشاعر الكبير معروف الرصافي فتذكّرنا بزمن الاحتلال والدبابات التي ابتلعت أراضي الأحرار:
"طاردة دبابةً، وسايباً أثراً...
العراقُ يئِنُّ تحت ثقل الضنكِ وضيق المدى..."
وفي فترة لاحقة كتب الشاعر مظفر النواب أحداث تلك الحقبة ضمن إطار شخصي أكثر واقعية وبهذا قال:
"خلونا بالطرق أسلاكٌ قاتلت بشجاعةٍ وعناد؛
أسلاك يابسة كالحديد لكنها تُردِّد وصايا الحرية!"
ثم جاءت مرحلة جديدة مع أعمال الشاعرة الشهيرة شهد الشمري لتقدم وجهة نظر المرأة حول ظلام الحروب وكيف جعلتهم يشعرون بالقهر والاستلاب بينما كانوا يسعون للحماية الشخصية فقط كما تقول:
"مشكور سهمك وصل.. مساميري تقطَّرت دماً حين رأيته ينطلق!
أنت أول جرح ولكن ليس آخر ألم سيعرفه قلبي.."
هذه الروائع الأدبية تبث حياة في ذاكرتنا وتعكس عمق حب العراقيين لوطنهم الذي مر بتغيرات كثيرة وظل ثابت أمام مصائب الدهر مؤكدًا قدرته على التحمل والنضوج مرة أخرى بإرادته الفولاذية والإرادة البشرية الجميلة داخل نفوس أبنائه المؤمنة بأن مستقبلهم سيكون أفضل مهما طال انتظارهم له. إنها رسالة الأمل التي يحملها الشعراء دوما لكل موطن مغرم بوطن يخفق بدماء أهل الخير والأوفياء للعدالة الإنسانية والسلم العالمي.