الحنين للوطن شعور عميق يجسد عمق ارتباط الروح بالأرض التي نشأت عليها. بالنسبة للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، فإن مسألة الوطن ليست مجرد موقع جيوسياسي يمكن تحديده عبر الخرائط أو وثائق الميلاد الرسمية. بل هي رابط عاطفي ونفسي يصعب وصفه بشكل محدد ومباشر. يشغل ذهن الشاعر تساؤلات حول ماهية الوطن وترابطها بالعلاقة بين الإنسان والأرض والأصول والتاريخ المشترك. فهو يستذكر طفولته ويقدر لحظاته الأولى للحياة بجوار والدته الغالية عليه، تلك اللحظات التي كانت مصدر دفئه وحنانها الدائم له مهما ابتعد عنها.
يستعمل شاعرنا استعارات جميلة للتأكيد على قوة الانتماء الشعوري تجاه الأرض الأم، مستذكرا أيام شبابه عندما كان يكبر ويتعلم ويتحدى الحياة بشعر وعزيمة روحانيين، وكيف أنه أصبح نسخة مطابقة لشخصيته داخل أحلام اليقظة الخاصة به. يعترف بأنه حتى لو توارث الأجيال واجهتهم مصاعب متعددة، تبقى الرابطة الإنسانية الأساسية قائمة كون الفرد جزء لا يتجزأ من تاريخ مجتمعه وهويته الجمعية.
وفي قصائد درويش الرائعة، نرى كيف ينثر حروفه لتشكيل عالم من الصور البلاغية الجميلة والمعبرة للقيم النبيلة كالانتماء والحب والعشق للوطن. إحدى هذه القصائد تصور مشاعر الشوق للمعنويات المحلية المفعمة بالحب والتي تجعل المرء أشبه بحالة انبهار وانفعال شديدتين عند التفكير بها، مما يؤدي لإطلاق العنان لإبداعات أدبية نابضة بالحياة تستعيد جوهر جماليات التجربة البشرية المعاشة وبالتالي تحمل رسائل روحية سامية للعابرين بهذا السياقات التاريخ والصراع المستدام ضد الظلم والاستعمار الخارجي.
هذه المقاطع المتنوعة من أعماله الأدبية الرائجة تضيف بعد جديد لفكرة "الوطن" لدى المخاطبين بالقضايا الانسانية والثقافية العالمية، وتعيد تأكيد حق الشعوب المضطهدة بغرس جذور ثقافتها وتراثاتها الأصلية مجدداً رغم ظلام الواقع المرير المفروض عليهم خلال فترات الاحتلال المختلفة.
ختاماً، إن عبارات درويش الشعرية تصنع حالة خاصة ذات طابع شخصي وفلسفي بحت، تدعونا بعزم نحو إعادة النظر فيما نظن معرفتنا به بشأن وطننا الأعظم وهو أرض الإنسانية جمعاء لما فيها من عناصر مشتركة تربط جميع أبنائها سواء كانوا مواطنين سياسيين رسميين ام لا .
