تعدّ رواية "عائد إلى حيفا" للكاتب غسان كنفاني واحدة من الأعمال الأدبية البارزة التي تستحضر ذكريات الماضي وتجسد معاناة الفلسطينيين خلال النكبة وبالتحديد ما بعد عام 1948. تتناول الرواية قصة عبد الرحيم، الشاب اللاجئ الذي يعود رفقة صديقه يوسف إلى مدينة حيفا الأم لأول مرة منذ تهجير عائلته منها.
تصوير كنفاني لحياة اللاجئين وواقعهم المؤلم يبرز بشكل واضح عبر رحلة الشخصيتين الرئيسيتين. يدخل المؤلف القراء مباشرةً ضمن أجواء تشبه الأحلام عندما يستعيد عبد الرحيم ذكرى بيته القديم وأحبائه الذين تركوهم خلفهم أثناء فرارهم المفاجئ. يشكل مشهد البيت المهجور، والذي أصبح الآن مأوى لعائلة يهودية، رمزاً قويًا للتغيرات الجذرية التي طرأت على المنطقة.
إلا أن عمق التأثير الحقيقي لهذه الزيارة يأتي عند مواجهة الحقائق المريرة للمستقبل. يحاول عبد الرحيم إعادة بناء بعض الهوية الضائعة له ولشعبِه لكن الواقع العنيف والعقبات الكثيفة أمام حقوق الإنسان تقنعه بأن الطريق الطويل نحو الاستقلال لن يكون سهلاً. يؤكد هذا السياقات المعقدة حول العلاقات الإنسانية المتداخلة بين أبناء الوطن الواحد رغم اختلاف الأديان والأصول الثقافية المختلفة.
باستخدام اللغة الشعرية والقوة الفنية، ينقل كنفاني رسالة حزينة ولكنها مؤثرة جداً. فهو يقنع القرّاء بحقيقة أنه حتى وإن كانت الأرض قد تغيرت وأن المنازل القديمة دمرت، إلا أن روح الصمود والشوق للحياة الطبيعية تبقى حيّة داخل النفوس الفلسطينية. إنها دعوة صادقة لاستعادة حق الشعب في أرضه وممتلكاته الشرعية وفي النهاية تحقيق السلام الحقيقي المبني على العدالة والتسامح.