تعتبر القصيدة "بركة المتوكل"، التي كتبها الشاعر العراقي الكبير أحمد مطر، قطعة فنية أدبية غنية بالتعبير الرمزية والفلسفية. تتعمق هذه القصيدة في عمق التجربة الإنسانية وتنقل مشاعر الألم والحزن ولكن أيضاً الأمل والتسامح.
في بداية القصيدة، يصور الشاعر صورة للحياة كبحر هائج يعكس تعقيدات وأهوال الحياة اليومية. البحر هنا ليس فقط رمزاً للطبيعة بل يشير إلى الرياح العنيفة والموجات العاتية التي تشبه المصاعب والعواصف التي نواجهها جميعا خلال رحلتنا عبر الحياة.
الشخصيات الرئيسية في القصيدة هي البركات الثلاث - الشمس والقمر والنهر. كل واحدة منها تمثل جانباً مختلفاً من الروح البشرية؛ فالشموس تجسد الطاقة والإيجابية بينما القمر يمثل الحكمة والصبر. النهر بدوره يوضح مدى المرونة والاستمرارية رغم تحديات الطريق.
يُظهر الجزء الثاني من القصيدة كيف يمكن لهذه البركات الثلاثة أن تخلق توازنًا معقدًا ومع ذلك متماسكًا داخل النفس البشرية. يخاطب الشاعر نفسه بأن "أنت مثل هذا البَرَكة... أنت شمسٌ يومًا وآخر قمر". هذا التشبيه يدعونا لإدراك إمكانيتنا للتغير وأن لدينا القدرة على احتضان جوانب مختلفة ومتنوعة من الذات.
وتصل القصيدة ذروتها عندما يقابل الشاعر شخصاً آخر يحمل اسم "المنشود". هذا الشخص يُنظر إليه باعتباره مبعث الراحة والأمان وسط عاصفة الحياة الصعبة. إنه الرصيف الذي نستند عليه أثناء الزلزال الداخلي والخارجي. عند لقائهما، يتم وصف المشهد بأنه نوع من السلام الدائم، حيث يقول الشاعر: "وبعدها جاء المنشود.. واجتمعنا وارتاحت الأرض."
ومع ذلك، فإن نهاية القصيدة تحمل رسالة أعمق بكثير - وهي قبول الفناء النهائي وعدم الخلود لأي شيء في العالم بما فيه حتى أكثر الروابط قربًا. تنتهي القصيدة بجملة مؤثرة تقول: "وما دام العمر يبقى بيننا / سنكون كما كنّا يوماً ما"، مما يؤكد أهمية اللحظات التي نقضيها سوياً ومشاركة الحب واللحظات الخاصة قبل فراق الأحباب الأخير.
إن قصيدة "بركة المتوكل" ليست مجرد كلام جميل؛ إنها دعوة لاستكشاف العمق النفسي والعاطفي لتجربتنا الإنسانية. إنها تذكرنا بترابط حياتنا الطبيعية الداخلية وخارجيتها، وكيف يمكن للأحداث الأكثر ظلمة أن تؤدي بنا نحو فهم ذاتنا بشكل أفضل ومن ثم التعافي والشعور بالعزاء.
