كان العالم الإسلامي خلال العصر الذهبي مليئاً بالعلماء والمفكرين الذين تركوا بصمةً واضحةً في مختلف المجالات. ومن هؤلاء النجوم المتألقة التي سطع نورها في سماء الأدب العربي كان الشاعر والكاتب وابن الفضل أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بابن زريق البغدادي. ولد هذا العملاق الثقافي حوالي عام 556 هـ/1161 م وتوفي سنة 627 هـ/1230 م تقريبًا. رغم قِصَر مدته الزمنية نسبيًا مقارنة بالأجيال الأخرى المتعاقبة للإبداع الإسلامي, فقد أثبت دوره الكبير كمؤلف ومدقق ومحرر لغيره من المؤلفات التاريخية والأدبية ذات القيمة الثمينة والمعروفة عالمياً حتى اليوم.
تعد مساهماته الأدبية أحد أهم إرثاته للحضارة الإسلامية والعربية. كتب العديد من القصائد الشعرية وله عدة أعمال أدبية بارزة منها كتاب "تاريخ شعراء بغداد"، وهو مرجع مهم لتطور الشعر والشعراء في تلك الفترة خاصة حينما تتناول حياة أكثر من ألف شاعر بغدادي موجزا سيرتهم الذاتية بمختلف الألوان الفنية للشعر آنذاك مما يجعلها مصدرا ثمينا للدراسات الأكاديمية حول تقاليد شعر المدينة وشخصياتها المؤثرة. بالإضافة لذلك، قام بتأليف ديوان خاص بشعره الخاص والذي تضمن مجموعة متنوعة من الموضوعات بما فيها الحب والحنين والفلسفة والقضايا الاجتماعية بطريقة فذة وبلاغتها مميزة للغاية.
كما اشتهر أيضًا كمحرر ومعالجان لمجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعمال الشهيرة مثل كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني الذي يعد أحد أشهر الموسوعات الموسيقية والتاريخية المتاحة لإحياء ذكر الشعراء والتجارب الإنسانية المختلفة عبر القرون الوسطى. وقد لعب دور المحافظ على تراث الأمجاد القديمة وتعزيزها ورعايتها بكل ما تستحق من اهتمام واحتفاء بحقوق الفن والإنسان ضمن منظومة ثقافية شامخة راسخة جذورها عمقا وغزارة محتواها وثراء تجلياتها المستدامة تأثيرها عبر الزمان والمكان.
ومن بين مؤلفاته المهمة كذلك عمل يدعى "روض الجنان وعمدة الكتابان"، دوّن فيه معلومات دقيقة ودقيقة جدا حول تاريخ مدينة بغداد وما حولها جغرافيا وحضرية وسكان هذه المنطقة الواسعة الواعدة بالحيوية والنشاط الدائم منذ القدم وإلى يومنا الحالي بعد مرور ثمانية قرون كاملة بلا انقطاع للمعرفة البشرية ونقل خبرات السابقين للأجيال اللاحقة بشكل متواصل ومترابط متواصل أيضا مع مفاهيم أخرى فرعية متعلقة بالعادات والتقاليد المرتبطة ارتباط عضو ذو وظيفة حيوية بجسد قائم بذاته نابض بالحياة .
إن إسهامات ابن زريق البغدادي العلمية والفنية دليل واضح على غزارة الإنتاج الأدبي والعلمي للعصور الإسلامية الرائدة والتي ظلت تنير درب البحث المعرفي والنقدي لشعب عربي مسلم ظل دائم الحضور بالقوة والثبات عبرالتاريخ القديم والمعاصر وسيظل كذلك بإذن الله تعالى مستقبلاً طويلاً إن شاء الله عز وجل.