منذ فجر التاريخ، ارتبطت حياة البشر بأنظمة قانونية تحكم سلوكهم وتعكس قيم مجتمعاتهم. وفي ظل توسّع الأنظمة السياسية المتعددة والقوميات والثقافات المختلفة، برزت حاجة ملحة لتنظيم العلاقات بين تلك الوحدات السياسية المستقلة -الدول-. لذلك، تبنت الشعوب منذ القدم مفاهيم أولية لقوانين دولية عامة شكلت نواة لما نعرفه الآن باسم "القانون الدولي".
أصول القانون الدولي العام:
يمكن إرجاع جذور القانون الدولي العام إلى الحقبة القديمة حيث كانت هناك شبكة بسيطة ومتشابكة من الاتفاقيات والتقاليد والعادات بين المدن والحكام القدماء لممارسة التجارة وصيانة الأمن والاستجابة للحالات الطارئة كالاعتداءات والإغارات وغيرها. وكانت هذه التعاملات متمركزة أساساً حول منطقة البحر المتوسط حيث تشكل اتحاد ديلوف وأثينا ودول أخرى مركزاً ثقافياً ومحوراً للتبادل التجاري. كما يُشار إلى وجود نظام قانوني مشابه في الصين خلال فترة حكم أسرة هان.
ومع التحولات الدراماتيكية التي شهدتها أوروبا ابتداءً من القرن الخامس عشر والتي أدت إلى ظهور الولايات الوطنية وتحالفاتها المختلفة نتيجة حروب الدين والخلافات الإقليمية واستقطاب القوى الاستعمارية... ظهرت الحاجة الملحة لإرساء دعائم أكثر استقراراً لهذه العلاقات الجديدة الناشئة مما دفع باتجاه وضع شروط واضحة وضوابط تحدد حقوق وواجبات الدول تجاه بعضها البعض خارج الحدود التقليدية للولاية القضائية المحلية لكل منها.
معاهدة وستفاليا كمحطة فاصلة:
كانت نقطة تحول رئيسية في مسيرة تكوين القانون الدولي الحديث تتمثل في توقيع اتفاقيتي وستفاليا عام ١٦٤٨ ميلادية والتي أنهيت الحرب الثمانينية والثمانينية الثلاثين بين الأمراء الألمانية والأباطرة الرومانيين المقدسين. وقد رسمت هاتان الاتفاقيتان محددات جديدة للعلاقات الدولية حين اعتقدتا لأول مرة بسيادة الدول وحدودها وخارجيتها ولكن بشرط احترام حق الامتيازات الملكية الخاصة بكل منهم. ولم يكن الاعتراف بالحكومات المتعارضة ضرباً من ضروب الانتهاك بل هو وسيلة مشروعة لتجنب المزيد من الاقتتال الداخلي المطول والمعقم نتائجه وهو الأمر ذاته بالنسبة لاستقلال الحكومات الداخلية ومساعيها المعلنة لتحقيق استقرار سياسي داخلي ضد منافسات خارجية محتملة. وهكذا مهدت معاهدة وستفاليا الطريق أمام بروز دور الصحافة والمراسلين الذين كانوا بحاجة ماسّة لرصد خطوط التقسيم الفاصلة بين المناطق الخاضعة لسلطان ملكٍ مقابل مناطق آخرى تسير وفق عقائد مختلفة ومعايير شبه مستقلة نسبياً داخل نطاق الوطن الواحدة رغم التنويعات الدينية والفكرية المنحصرة تحت خيمة سلطة موحدة ظاهرياً فقط أثناء الفترات الأكثر تهديداً للنظام الاجتماعي الشاسع.
ومن هنا جاء اهتمام المجتمع المدني الغربي بإحداث تغيير جذري فيما يتعلق بجوانب الاستقلالية التشريعية لدولة ما بالإضافة لمدى تأثير القانون الوطني محل الاختلاف وما إذا كانت قوانين البلدان الأخرى مجرد أحكام اعتبارية قابلة للتطبيق عمليا ام إنها مسائل نظرية بحتة يندر تطبيقها إلا نادرا جدا عند الضرورة القصوى لاتخاذ إجراءات عقابية تستهدف أفراد وليس مؤسسات كاملة!
وفي الوقت نفسه فقد دفعت حالة عدم اليقين السياسي لدى العديد من التجار والصناع وشركات نقل السلع عبر البر والبحر الى تصاعد معدلات الدعاوى التأديبية والنزاعات العمالية المرتبطة بأسباب مباشرة متعلقة بالأنشطة الاقتصادية لديهم وهم يحاولون تفادي مغبت المفاجآت غير المرغوبه بسبب اختلاف قوانين العمل مثلاً اذا اختلفت مكان انتاج السلعه بالمقارنة بالأماكن المختصة بالتوزيع النهائي لها في تنفيذ عمليات البيع واسئتنافه لاحقا .
وكانت ثمرة تلك الاجواء المضطربة بداية مرحة جديده وتمثل ابرز اولوياتها تجفيف منابع الاحتقانات الاجتماعية وانهاء عصر الحملات الصليبيه عبر تقليل فرص اندلاع حروب عبثيه طويله الامد بهدف افهام اثنان متصارعان انه ليس شرطا ضروريا ان يدفع طرف اقوى منه غالي الثمن لتغيير طريقة رؤيته للحياة ديانة وثقافه خصوصا عندما تكون السببان الاساسيان هما سوء فهم