سوريا بلد ذو تاريخ طويل ومزدهر، تشهد الآثار المنتشرة فيه على مدى رحلة الحضارات المتنوعة التي مرّت عبر أرضها. هذه الآثار ليست مجرد تراث ثقافي ومعماري فحسب، بل هي شهادة مباشرة على الهوية الثقافية والتاريخية لسكان سوريا، وهي خلاصة لحلقات الزمن الذي شكل حاضرهم. تجسد كل قطعة من تلك الآثار قصة يعود بعضها إلى آلاف السنوات مضت، مما يعكس عمق التراث الإنساني.

ومن بين هذه المعالم الشهيرة، يأتي "قلعة الحصن"، التي بناها الأمير حلب في القرن الحادي عشر الميلادي لتكون مثالاً رائعاً للهندسة العسكرية في العصور الوسطى. أما مدينة "تدمر" فهي رمز حي لموقع استراتيجي مميز كان نقطة عبور هامة على طول طريق الحرير القديم، تضم معابد وكوليسئوم ورواق كولوسوس يمثلون الفن المعماري الروماني. كما تتمتع المدينة بسلسلة من التحصينات الدفاعية الهائلة مثل قلعتها الواقعة شمال غرب المدينة والتي صممها الفيلسوف اليوناني أنطيوخس الثالث لإدارة حدود الإمبراطورية السلوقية ضد جيوش فارس الحديثة.

وتظل "البصرى"، إحدى أقدم مدن سوريا وأكثرها شهرة، شاهداً على فن العمارة البيزنطي والديني، حيث تحتضن كنيسة مار جرجس وكاتدرائية سانت بول وساحة أسقفية بالإضافة إلى أكوام كبيرة من القبور المبنية فوق الجبال المحيطة بها - كل ذلك يدفع السياح للاستمتاع بروائع الهندسة الدينية المسيحية وتفرداتها الجميلة والفريدة.

وفيما يتعلق بـ"أفاميا"، فإن اسمها مرتبط ارتباط وثيق بالحضارة الرومانية والإمبراطورية البيزنطية؛ فهذه المدينة الواقعة بالقرب من نهر العاصي شهدت نمواً شعبياً ملحوظاً خلال فترة حكم السلطوقيين حتى أصبحت مركزا رئيسياً لهذه الحقبة التاريخية بغنائها الفريد للحياة الاجتماعية والثقافة العلمانية. ومازال الطريق العمومي الكبير وهو جزء منها موجودًا رغم أنه تعرض للأضرار بسبب الاحتلال الصليبي للمدينة والذي انتهى بموافقة أهلها على تسليم مفاتيحها لنور الدين زنكي عام 1149 ميلادية بعد مقاومة وشجاعة عزتا للإشادة بهم وإظهار قوة إرادتهم المشرفة.

إن جمال وروعة تلك الآثار تعكس ثراء ماضي سوريا وتدعونا لاستحضار الماضي لبناء مستقبل مشرق يحافظ عليها ويستغل مواردها بشكل مستدام وسليم.