وتتميز المملكة المغربية بتراث طبيعي غني وشاسع، حيث تعددت مصادر الحياة والمياه العذبة بين أحضان الجبال الشاهقة والتضاريس الصحراوية الواسعة. ومن ضمن هذه المعالم الطبيعية البارزة شبكة من الأنهار الملونة والتي تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد والثقافة المحلية. هنا، سنستعرض بعضًا من أشهر وأطول تلك الروافد المائية في أرض البركة والجلالة.
وبداية رحلتنا عبر التاريخ الطبيعي لهذه الأرض الغنية، يأتي "درعة"، وهو ليس مجرد نهر بل هو العمود الفقري للنظام الهيدرولوجي المغربيّ؛ فهو الأطول بينهما، وينساب برحلته المقدسة لمدة تقارب الألف كيلومتر لتصل نهايته إلى الشرق قبل انصرافه أخيرًا نحو أعماق المحيط الأطلسي. وعلى امتداد هذا المشروع الرائع للحركة الطبيعية سنجد جغرافياً منعزلة ذات تضاريس قديمة تعج بالحياة البحرية المختلفة بما فيها ما يقارب الأربعين صنفا فريداً من الأسماك الأصلية فقط لنهر درعة.
وفي شمالي المنطقة تحديدًا، يُعتبر "سبو" أحد أهم روافد المياه بشكلٍ خاص نظرًا لكمية المياه الهائلة التي يحملها والذي جعله كذلك الأكثر سرّيةً فيما يتعلق بالتلوث - رغم كونه مصدر رزق مهم للأراضي الزراعية المنتشرة حول المنبع مما يؤكد الحاجة الملحة لإدارة مستدامة وحفاظ على سلامته البيئيّة المستقبليَّة أيضًا. بينما يعدّ "ميليوة" رابع طولا بعد الثلاثة السابقون لكنه يتمتع بموضع استراتيجي يفوق مثيله عند مصابه مباشرة بالسواحل المتوسطية الأمر الذي يعكس مدى تأثير عوامل التربة المناخية وعوامل الموقع الاستراتيجي للجداول النهرية بالمغرب عامةً وكيفية اختلاف إمكاناتها واستخداماتها حسب قرب كل منها لأحد مدخلين البحرتين المؤديَّتين إليها سواء بالأطلسيين أو المتوسطيين.
ومن الجدير ذكره أيضا أنه يوجد العديد الآخرين من خيوط الماء التابعة لحزام حياة الوطن مثل "أم الربيع" صاحب المركز الثاني خلف الدرعموكوّنة مجتمعاته الريفية المكتظة والسندوات الضخمة المرتبطة بها ولاسيما سد المسيرات الشهير بالإضافة لـ"تانسيفت". وإن كانت الأخيرة أقل حجما ولكن لها دور كبير وغاية ساميه باعتبارها المصدر الأساسي للإنتاج الغذائي بكافة أشكال وجوده بداية من الأقمشة والنباتات مرورًا بصناعة النبيذ وزيتها وانتهاء بالإسفاج الإعلامي الأخضر حتى وصلتنا اليوم برسائل حيويّه خالصه! إنها قصة عمرتها قرونا طويلة تتجدد يومياً عبر تطاير أغصان الرذاذ وهبوب نسيم الموسم الخريفي المعتدل وجلب رياحه الأمطار الربيعية... فهي حقا الخيط الوثيق الجامع لمنطقة بأسرها قبيل الوصول ساحلها المفتوح للعالم الخارجي تماما كالذي يحدث أثناء اندفاع أمواج بسيوف الانصهار الذاتي بين قطرات العذب والشديد المالح!!!