في تاريخ الفكر الاستراتيجي والعلاقات بين الدول، تمثل النظريات الواقعية واحدة من أكثر المنظومات فكريّة دواماً وتأثيراً. هذه النظرة التي تتبنى وجهة النظر بأن القوة هي العامل المحوري في تشكيل علاقات الدولة مع غيرها، قد خضعت لتغيرات عميقة خلال القرن الماضي. بدءاً من الأفكار الأولى لـ هانز مورجنثاو في "العلم السياسي"، مرورا بتحولات ما بعد الحرب الباردة تحت قيادة كينيث والتز وريشارد كننغهام، حتى وجهات النظر الحديثة التي تعالج التأثيرات العالمية مثل تغير المناخ والحرب الإلكترونية.
كان لنشوء نظرية السياسة الواقعية تأثير كبير منذ الثلاثينات من القرن العشرين. أسس مورجنثاو أساس هذا النهج عندما أكد على دور القوة السياسية كالقوة المتحكمة في الأفعال الدولية للدول. وفقا لمورجنثاو، الهدف الرئيسي لكل دولة هو زيادة سلطتها وقوتها ضمن النظام الدولي. بمعنى آخر، القوة ليست فقط الوسيلة للحفاظ على الأمن القومي ولكن أيضا لتحقيق التوسع والاستقرار الإقليمي والدولي.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية حقبة جديدة في التاريخ العالمي، أصبح واضحا أن العالم قد شهد تحولا جذريا في تركيبته الجيوبوليتيكية والقوة المتبادلة بين الدول. هنا يأتي دور كتاب "الواقع السياسي والعلاقات الدولية" لكينيث والتز وريشارد كننغهام الذين تطرقوا بشكل نقدي إلى بعض جوانب النظرية التقليدية. يشدد هؤلاء المفكرون على أهمية الظروف الداخلية للدولة وكيف يمكن لها أن تؤثر في سلوكها الخارجي أكثر مما سبق. بالإضافة لذلك، يشير الكتاب أيضا إلى أن طبيعة الثوابت والمصالح الوطنية قد تتغير بناءً على السياقات المختلفة.
وفي السنوات الأخيرة، ظهرت تحديات جديدة أثرت بشكل مباشر على شكل وفكرة النظرية الواقعية للعلاقات الدولية. ظهور الأمم المتحدة وأطر العمل متعددة الأطراف الأخرى أدى إلى نقاش حول مدى فعالية التحالفات الثنائية مقابل تلك المتعددة الأطراف في تحقيق المصالح الوطنية. كما برزت قضية الحروب النفسية والسايبرانيونية كموضوع جديد يحتاج الدراسة نظرا لإمكانيتها للتسبب بنفس مقدار الضرر الذي يحدث بالحروب الكلاسيكية.
بشكل عام، فإن رحلة النظرية الواقعية كانت مليئة بالتحولات والتكيفات اللازمة للاستمرار في فهم وتعليل ديناميكيات عالم اليوم المعقد ومتعدد الأوجه.
