سان مارينو، تلك البلد الصغيرة الواقعة بين مرتفعات روما وجبال أبينيني, تُعتبر واحدة من أكثر البلدان غموضاً وندرة في العالم. إنها ليست مجرد أرض صغيرة محاطة بإيطاليا؛ بل هي أيضاً العاصمة الدائمة للديمقراطية منذ القدم.
وفقاً للتاريخ المكتوب والموثق، فإن أصل اسم "سان مارينو" يعود إلى القرن الثالث عشر تقريباً. ومع ذلك، هناك أدلة تشير إلى وجود مجتمع بشري في المنطقة منذ القرن الرابع قبل الميلاد. ولكن النقطة الفاصلة جاءت في الثامن من سبتمبر عام 301 قبل الميلاد، حين تأسست أول مستوطنة رسمية تحت اسم مارینو الشهیر.
هذه المستوطنة الأولى كانت عبارة عن ملاذ لمجموعة من المسيحيين الذين كانوا يفرون من اضطهاد الرومان لهم بسبب اعتناق الدين الجديد. مؤسس هذه المجتمعات الجديدة هو الأسقف مارينوس، وهو شخصية أسطورية معروفة كثيراً داخل حدود سان مارينو اليوم. لقد عزله موقع الجبل المرتفع الذي اختاره لهذه المنفى عن تأثير السلطات المركزية الأخرى مما سمح له بالتحرر وبناء نظام حكم خاص به.
منذ تلك اللحظة المبكرة، بدأت قصة سان مارينو كمجتمع متميز ذو سيادة كاملة. رغم مرور القرون والعصور المختلفة، حافظ شعب هذا البلد الصغير على طابعه واستقلاله بشكل ملفت للنظر. حتى أنه كتب دستوره الرسمي لأول مرة في العام ١٦٠٠ ميلادية، ليصبح بذلك صاحب أقدم دستور مكتوب حاليًا بين جميع الدول المعروفة حول العالم.
خلال قرون الاستعمار والإمبراطوريات المتلاحقة عبر أوروبا، ظلّت سان مارينو مصدر إلهام للأجيال المحافظة على حقوقها ومكانتها الدولية بذاتها. فقد شهدت القرن العشرين غزوَا مباشرًا أثناء الحرب العالمية الثانية ولكنه لم يكن قادرًا على تغيير وضعها القانوني الدولي كجمهورية سوبرانيا وغير تابعة لأحد.
أما بالنسبة للمواقع التاريخية والثقافية البارزة الموجودة الآن ضمن حدود سان مارينو فهي كثيرة ومتنوعة ومتاحة أمام زوارها العدديين كل سنة بنسبة تتراوح بين مليونَين إلى ثلاثة ملايين شخص حسب الإحصائيات الأخيرة. تلعب قلعتان أساسيتان دور مهم للغاية وهما حصن "سيستا"، ولعل أشهرهما حصن "تور جيوتا". أما المتحف الوطني فهو وجه آخر يستحق الزيارة لما يحتوي عليه من قطع فريدة تعكس تراث الشعب هنا بالإضافة لنظامه السياسي الفريد جداً!
في النهاية يمكن القول إن سان مارينو تعتبر حقاً مثال حي لتعدد الثقافات والتقاليد القديمة بفضل ارتباطها الوثيق بتاريخ البشرية الطويل المدى وملكية كونيتها المتميزة والتي جعلتها تستمر لفترة طويلة نسبياً مقابل العديد من الأمثلة الأخرى التي انقرضت تمام الانقراض سواء كانت جغرافيا أم حضارية أم ثقافية أم غيرها مما يشابه ذلك مما أثبت قدرتهم على التأقلم والنجاة وتحقيق مكانتها الخاصة بأنفسها الأمر ليس بالأمر الهين ولكنه واقع دام لمدة طويلة جدًا بما فيه الكفاية حتى اليوم الحديث بكل تأكيد!.