تتميز الديمقراطية التوافقية بمجموعة فريدة من الخصائص التي تجعلها نموذجاً سياسياً استثنائياً يُلائم المجتمعات المنقسمة حول هويّاتها وخلفياتها المختلفة. هذه السمات الرئيسية تتضمن ما يلي:
- التعاون الوزاري والإدارة الإئتلافية: تشكل قلب العملية السياسية التوافقيّة، حيث يشهد هذا النوع من الحكومات مشاركة واسعة النطاق للأحزاب والنخب المختلفة ضمن الحكومة المركزية. يسمح هذا النهج بتوازن القوى ويوفر أرضية مشتركة لحوار شامل يحترم حقوق ومصالح كافة الفئات المجتمعية.
- الإدارة الذاتية للفروع الخاصة: يعترف نظام الحكم التوافقي بحق الجماهير المحلية والمجموعات الثقافية المختلفة في إدارة شؤونها الداخلية بنفسها. وهذا يعني أن القرارات داخل نطاق اختصاصات تلك الفئات تتم وفق رغباتها دون تدخل مباشر من سلطة مركزية غامضة المصدر.
- التمثيل النسبي والتوزيع العادل للسلطة: يعد تمثيل الأفراد والجماعات بالمقدار المناسب للقوة العدديّة المثل الأعلى للتعبير الشعبوي تحت مظلة الديمقراطية التوافقية. سواء كانت عملية تخصيص الوظائف العامة أم الحصول على موارد الدولة، فإن المعيار الذي يسترشد به الجميع هو نسبة السكان لكل مجموعة محددة.
- حرية الرأي وحماية الأقلية: تضمن خصوصية رأي كل طرف والحفاظ عليه عبر آليات دستورية تسمح لأي قطاع برفض قرار يمس مصالحه الأساسية. بذلك تستطيع أصغر صوت أن ينافس أقوى صوت وأن يساهم بشكل فعال بالحياة السياسة الوطنية.
بالنظر لهذه الخواص الأربع الأساسية، تبدو صورة واضحة لناحية كيفية عمل الديمقراطية التوافقيّة وكيف تسعى لتحقيق توافق سياسي وعلاقات ودية وثقة متبادلة بين أبناء الوطن الواحد رغم اختلافاتهم البنيوية والعقائدية والصطرينية وغيرها الكثير مما قد يصنع شرخا عميقا لو تم تجاهله واستبعاد البعض منه تمام الاستبعاد لصالح أغلبية متحكمة وحدها باتجاه البلاد نحو وجهتها المرجوة حسب منطلقاتها العقائدية الضيقة ونقاط ضعفها الأمنية والقانونية العميقة جدا أيضا!
هذه الطروحات النظرية والدراسات الواقعية لمختلف دول أوروبا الغربية وآسيا الوسطى وفلسطين لاحقا أثبتت جدوى تطبيق نماذج حكومية تأخذ بعين الاعتبار عناصر التعايش السلمي والتفاوضي بدلا فقط من فرض إرادات اقليميات ضيقة مهما بلغ نفوذ قادتها السياسي والاقتصادي والاجتماعيالباهر للغاية!! إن استخدام "أرض المعاشرة" كما وصفتْ ذلك إحدى الدراسات الأكاديمية الحديثة هو الطريق الأكثر نجاعة لإحداث تغيير جذري في مسارات تاريخ التصادم الأوروبي العربي القديم الحديث من جهة وللتقارب الرومانسي مثلهم الاعوج بين شمالي جنوب أفريقيا وظلال اضطهاد الماضي القريب لهاتين المناطق كذلك... إذ كيف لنا إلا مواءمة فلسفة الحياة داخل دولتينا مصر وإيران مثال حي لمثل هذه السياسات؟ فلعلها خطوات جريئة لكنها ضرورة ملحة لاستقرار المنطقة برمتها وطموحات شعوب الشرق الأعظم بما فيها بلاد العراق وسوريا وليبيا وتونس والمغرب فضلا عن السودان فهم جميعا بحاجة ماسة لرؤية جديدة للحاضر والمستقبل وهذه رؤيتنا البديلة المطروحة هنا أمام ناظريك أخي القارئ العزيز!