تعتبر شبه جزيرة سيناء، الموجودة في شمال شرق جمهورية مصر العربية، موقعًا ذو أهمية اقتصادية كبيرة تمتد جذورها عبر آلاف السنين. هذه المنطقة المثيرة للاهتمام، التي تفصل بين قارّتي أفريقيا وآسيا، تتمتع بموقع استراتيجي متفرد جعل منها محورًا رئيسيًا للتبادلات التجارية والتاريخ الإنساني. إن المناخ الصحراوي لهذه الجزيرة المقرمشة تحت أشعة الشمس الثابتة يعكس جمالًا طبيعيًا ساحرًا يحظى بإعجاب الكثيرين.
بالانتقال إلى الماضي, نجد أن شبه جزيرة سيناء كانت مسرحًا لتفاعلات ثقافية واقتصادية هامة للغاية منذ زمن طويل. خلال عصور ما قبل التاريخ، لعبت دور محوري كممر تجاري بين منطقتي فلسطين ومصر. وكانت تعد مصدرًا غنيًا لموارد خام كالنحاس والفيروس، كما برز سكان المنطقة في صناعة الأدوات النحاسية الناعمة. رغم تعرضها لهجمات عديدة بسبب قربها من الطرق الرئيسية، ظلت محافظة على مكانتها عبر العصور المختلفة.
وفي العصور الوسطى، اتخذ المسلمون تحت قيادة عمر بن الخطاب من سيناء نقطة انطلاق للغزو الإسلامي لمصر. ومن هنا، تم فتح مدينة الفرما واستعمار معظم البلاد. وقد حافظت هذه المنطقة على أهميتها العسكرية والاستراتيجية حتى يومنا هذا.
ومع دخول القرن العشرين وبداية الحرب العالمية الثانية، بدأت دول أخرى تستشعر القيمة الاقتصادية الكامنة خلف سيناء. فقد حاول الاحتلال البريطاني لاستخدامها كورقة رابحة لتحقيق مصالحه الخاصة داخل الخليج العربي وخارج حدوده أيضًا. وبعد انتهاء تلك الحقبة الدموية مباشرةً، ظهرت مجددًا مكانة سيناء باعتبارها بوابة محتملة نحو موارد الطاقة الهائلة الموجودة جنوب غرب المملكة السعودية.
ومن منظور حديث أكثر، فإن قطاع النفط يشكل أحد أهم القطاعات التي تساهم بسخاء في دفع عجلة الاقتصاد المحلي والوطني بشكل كبير جدًا. فضلاً عن وجود احتياطيات كبيرة للمواد غير المعدنية مثل الملح الصخري والفوسفات والكبريت وغيرها كثير؛ كل ذلك يعطي دلالة واضحة لقوة الاقتصاد السيناوي الحالي والمستقبلي أيضًا.
ثم نأتي لرصد الجانب الآخر المتمثل بالموارد السياحية والثقافية الغنية بهذا الجزء الجميل من أرض الكنانة (مصر). فالطبيعة الخلابة والشواطئ الرملية وجزر الشعاب المرجانية تشكل عامل جذب أساسي للسائحين الراغبين بخوض مغامرات فريدة وسط أحضان الطبيعة الأصلية. بالإضافة لذلك، تحتفظ سيناء بذكرياتها المقدسة لدى المسلمين الذين يفدون إليها لأداء شعائر الدين الإسلامي بها ويستقر بهم الأمر لسبر أغوار الآثار الإسلامية والعربية والإغريقية وما تزخر به المنطقة من تراث حضاري أصيل يستقطب اهتمام المؤرخين والسائحين على حد سواء. إنها حقا "تحفة" قد خلقها الله عز وجل ليختبرها بشرٌ مختلفون عبر مراحل الزمن الطويل!
