يعد السد العالي، المعروف أيضًا باسم سد أسوان، واحدًا من أكثر المشاريع الهندسية شهرة وثورية في العالم العربي. يقع هذا الصرح الضخم في منطقة أسوان بجمهورية مصر العربية، تحديدًا جنوب البلاد بالقرب من الحدود السودانية. افتُتح رسميًا في يناير عام ١٩٧١ ميلادي بعد سنوات طويلة من العمل الشاق والتخطيط الدقيق.
ساهم تصميم وبناء السد في تحقيق نقلة نوعية في إدارة الموارد المائية المصرية. فهو ليس مجرد بنية تحتية هائلة فقط بل هو رمز للاستقرار والتنمية المستدامة. بلغ طول السد نحو ١٢٥٦٢ قدم أي حوالي ٣٨٣٠ مترا، بينما ارتفع لسقف يصل طوله إلى ثلاث مائة وأربعة وأربعين قدماً أي ما يعادل إحدى عشر وتسعون متراً فوق سطح الأرض. أما حجم البناء فقد تجاوز الخمسة وسبعين مليون ياردة مكعب أي تسعة وأربعين مليونا من الأميال المكعبة بالمتر! ويتواجد بجوار هذا العملاق خزان بسعة خمس تريليونات وستاً وتسعمئة ألف قدم مكعب مياه مما يفوق الستون ومائة مليار متر مربع.
كان لهذه المنشأة تأثير كبير على حياة الناس اقتصاديّا وعمرانيّا بشكل غير مسبوق. أول هذه التأثيرات كان قدرتها الفائقة للتحكم في الفيضانات السنوية لنهر النيل، وهي الظاهرة الطبيعية التي كانت تشكل مصدر تهديد دائم للسكان المحليين عبر التاريخ القديم والمحدث. ولم تعد الدولة بمفردها تلك القوة التي تهزهز أمام غضب الطبيعة بل أصبح بإمكان الإنسان ضبط تدفق نهر الحياة بدقة مثالية للحفاظ على سلامتهم وحماية ممتلكاتهم. بالإضافة لذلك, أدت عملية خلق مثل هذه المساحة الهائلة تحت سيطرته مباشرة لإنتاج هائل للطاقة الكهرومائية والتي زادت مرتين قدرة توليد الكهرباء في مصر حين اكتماله. كذلك استغل نظام الري المتطور المصاحب له زيادة إنتاجية التربة الزراعية بشدة فتضاعف مردود حقول الأرز والأراض المروية ككل نظير توفر المياه العذبه بكثافة غير معهوده سابقا سواء دورة نموها أو مرحلة الجمع والاستعمال فيما بعد .
إلا أنه لم يكن طريق الانشاء سهلاً تمامًا للغالبية الذين اضطروا للتكييف مع الواقع الجديد واستيعاب تغييرات عميقة أثرت عليهم وعلى طريقة حياتهم التقليدية خاصة سكان منطقتي أبوسمبل ونوبة. فرغم الفرص الجديدة التي جاء بها مشروع "سد النهضة الكبير", إلا أنها أتت مصاحبة بتحديات اجتماعية واجتماعية أخرى أخذت وقتا اطول قليلا حتى يتم حلها بشكل مرضٍ لكامل شرائح الشعب. لكن بالنظر للأثر الإيجابي المؤكد والذي سيظل يستمر لمدة ثلاثة قرون قادمة حسب تقديرات خبراء ومتخصصون محليون ودوليون مختصيون بهذا الحقل العلمي-- يمكننا اعتباره انجازه هندسيًا عالمِيَّة بلا مفاخرة ولا مجاملة. كما اتخذ الجانبان، الحكومة المصرية والإدارة السودانية قرار متحدًّا بشأن تقاسم موارد واحتياجات كل منهما ضمن الاتفاقيات الرسميه المعلنة والمعترف بها دوليا لما فيه خير البلدتين وتحقيقا لاستقلال مزدهر ومستقر لكل مجتمعاتهما المختلفة طبقات واتجاهات وانتماءاتی ثقافیه نیز.
إن قصة بناء سد أسوان ليست مجرد ذكر أفضل لحظة تكنولوجية عبقرية وإنما أيضا شاهد حي على مرونة البشرية وجهودها الإنسانية لتحسين وضعيتها تجاه بيئات سلطاتها المفروضة عليها طبيعية كانت ام بشرية المصدر والجذر. إنه درس قيم حول كيف تستطيع المجتمعات جمع جهودها وطاقتها لبناء مستقبل مشترك وسليم وسط موجة التغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الكبيرة نسبيا والتي نتجت عنه مباشرة وانعكس اثرها الواضح حاليا علي العديد ممن عاشروه ورأوه بنتائج حصرية لصالح وطنهم وشعبِهم الأعزاء عليه اسمرارا وفخاراة وايمان بأن الغد لهم وليست ضد سيرورة تقدمهم المدروس والمنظم !