تعد مدينة الزهراء واحدة من أهم المعالم التاريخية والثقافية في العالم الإسلامي، وهي شهادة حية على ازدهار الحضارة الإسلامية خلال العصر الذهبي للأندلس. أسس هذه المدينة الخالد الفاتح عبد الرحمن الناصر لدين الله الأموي عام 936 ميلادي، وجعلها مركزاً لملكه ودولة الأغالبة. سُميت المدينة باسم جدته فاطمة بنت محمد بن عبد الملك بن مروان، التي كانت معروفة بلقب "الزهراء".
كانت الزهراء رمزا للتقدم العلمي والفني والفكري الذي عرفته الأندلس آنذاك. فقد اهتم عبد الرحمن الثالث بتشييد مبانيها وتزيينها بطابع معماري فريد يجمع بين الطراز العربي والإسباني القديم. تضمنت خطتها الهندسية الرئيسية القصر الكبير ومجموعة من المساجد الرائعة والقاعات العامة والمرافق الأخرى الضرورية للحياة اليومية للمواطنين. كما قام بتأسيس مكتبات متخصصة لتجميع المؤلفات العربية واللاتينية والأمازيغية وغيرها من اللغات الباقية تلك الفترة مما جعل الزهراء مهداً للثقافة والمعرفة.
بالإضافة إلى ذلك, شهدت فترة حكمه نهضة ثقافية كبيرة حيث شهدت الموسيقى والأدب والشعر تطورات ملحوظة كان لها دور فعال في تعزيز المكانة الأدبية والعلمية للمدينة كعاصمة للإبداع الفني والفكر الإنساني. ومن أشهر شعرائه ابن زيدون الذي اشتهر بحبه لشريفة بنت الحاجب والذي غدا قصائده معلماً بارزاً لنبل الشعر وصفاء الروح والحنين للعشق الصادق وعاشقة له هي كذلك.
وعلى الرغم من أنها لم تعد قائمة الآن إلا أنها تركت بصمة واضحة في تاريخ الفن المعماري الإسلامي العالمي وشكلت نموذجاً فريداً يستحق التأمل والتقدير لما يحمله من اكتشافات جمالية ومعمارية خالدة عبر العصور المختلفة حتى يومنا هذا.