اكتشافات تاريخية: أول سد بني في العالم وأسراره القديمة

التعليقات · 0 مشاهدات

تعتبر مشاريع بناء السدود جزءاً أساسياً من الحضارات الإنسانية عبر الزمن لتلبية احتياجات الإنسان من المياه للأغراض المختلفة مثل الشرب والزراعة والصناعة.

تعتبر مشاريع بناء السدود جزءاً أساسياً من الحضارات الإنسانية عبر الزمن لتلبية احتياجات الإنسان من المياه للأغراض المختلفة مثل الشرب والزراعة والصناعة. وفي رحلتنا عبر التاريخ، نستعرض هنا قصة بعض أقدم السدود المعروفة، والتي تعكس تقدم تلك المجتمعات المبكرة وتكيفها مع البيئة الطبيعية.

إحدى أهم الاكتشافات هي سد "جاوا" الواقع في الصحراء الأردنية السوداء. يُرجح أن هذا السد القديم قد شيد منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد، مما يجعله واحدًا من أوائل الأعمال الهندسية البشرية المخصصة لإدارة موارد المياه. كان الغرض منه التحكم بمجرى نهر صغير وتمكين الري المنتظم لأراضي قابلة للزراعة بالقرب منه. إن تفاصيل تصميم وبناء هذا السد توفر نظرة ثاقبة حول مستوى التطور التقني والمعرفي المتاح لدى مجتمع ذلك الوقت.

وفي نفس السياق، هناك دليلٌ على وجود سدٍ آخر في مصر يحتوي على واجهة حجرية، ويعود تاريخه إلى حوالي العام ٢٧٠٠ قبل الميلاد. يعرف باسم "سد الكفرة"، وكان له دور مهم في ضمان توافر المياه اللازمة للأنشطة الزراعية والحياة اليومية للسكان القريبين.

ومع مرور القرون اتخذ فن هندسة السدود منحنى جديداً في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، في سوريا، قامت حضارة كنعان ببناء ما يُعتقد بأنه أقدم سد لا يزال يستخدم لغاية الآن - وهو سد نهر العاصي الذي يرجع تأريخه لحوالي ١٣٠٠ سنة قبل الميلاد. خدم هذا العمل العملاق كمحور أساسي لنظام ري مكثف يدعم اقتصاد منطقة واسعة تعتمد بشكل كبير على الزراعة.

ومن بين أكثر السدود شهرة ودلالة رمزياً هو "سد مأرب". بنته قبيلة سبأ في اليمن نحو عام ٦٥۰ قبل الميلاد لاستيعاب مياه الأمطار الناجمة عن هطول غزير عليها وعلى المرتفعات المحيطة بها. سمحت طبيعة التصميم الفريد لهذا المشروع باستعادة المياه واستخدامها بكفاءة عالية لدعم نشاط تجاري مزدهر مرتبط بإنتاج ونقل البخور ذائع الصيت آنذاك. بالإضافة إلى دوره الاقتصادي المهم، عمل أيضًا كمصدر موثوق للنباتات المُروية بما فيها مثمرة النخيل التي تحتاج لكميات كبيرة ومتواصلة من الماء لتزدهر وتعطي محصول وفير.

وبحلول الخامس قرن قبل ميلاد المسيح، تمت إضافة طبقة جديدة فوق جسم السد كتحديث للهيكل الأصلي، مما رفع طوله الإجمالي لـ ٧ مترات تقريباً. ومع أنه تعرض للتدمير لاحقاً بسبب عوامل طبيعية متنوعة ومشاكل جيولوجية داخلية، ترك انطباع دائم بأنواع التحديات والتغيرات المناخية العديدة التي شهدتها المنطقة عبر قرون عديدة.

وعندما وصل بنا التأريخ إلى بداية عصر الرومان، ظهر اسم "بروسيرا" ضمن قائمة أماكن بارزة لبناء أعمال عملاقة للحفاظ على المياه. بدأ تشييد مشروع بروسيرا الكبير ابتداء من الفترة نفسها التي بدأت فيها الحقبة الأولى للمسيحية وانتهاء بفترة حكم الدولة الرومانية الثانية للإمبراطورية. وجهوده ترمي إلى تحقيق هدف مشابه لما حققه سابقاته بحصر قدر كبير من المياه وصونها بغرض توفير مصدر مستقيم للدفع بثروات المدن والموانئ التابعة لها ولا سيما مدينه (Emerita Augusta). وما زالت آثار عظمه خالدَة حتى يومنا الحاضر باعتبارها شاهدا حيّا على براعة المهندسين القدماء وإبداعاتهم الرائدة للغاية.

إذاً، يمكن اعتبار كل واحدة منها جديرة بالتقديم كنموذج مبكر وملهم لمن بعدها ممن اهتموا بهذا الجانب الحيوي جداً من الحياة الإنسانية بكافة جوانبها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية أيضاً.

التعليقات