تتجلى مدينة ثلاء، واحدة من الكنوز الثقافية والتاريخية لليمن، في قلب المرتفعات الجميلة لإقليم المناخ المعتدل شمال غرب العاصمة اليمنية صنعاء بحوالي خمسين كيلومتراً. هذه المدينة، التي ترجع جذورها إلى المملكة الحميرية العريقة، تتميز بغناها الثقافي الفريد الذي أهلها للحصول على اعتراف اليونسكو بتسجيلها ضمن مواقع التراث العالمي في العام ٢٠٠٢ ميلادي.
ثراء تسميتها يعكس عمق هويتها الثقافية. فبعض المؤرخين يرجعون أصل الاسم إلى "ثلا" ابن ليباخة بن أكيان بن حمير الأصغر، بينما يشير آخرون إلى أنها اشتقت من الكلمة العربية "ثلأ"، والتي تعني كثرة المال، وقد تغير مع مرور الوقت وألفاظ اللهجة المحلية حتى أصبح الشكل الحالي لها.
وعند الحديث عن موقعها الجغرافي، فإن مدينة ثلاء تحتل مرتفعاً مربع الشكل في أعلى نقطة شمالية غربية لصنعاء، محاذية لجبال كوكبان وذيبين شرقاً. تحدها من جهتي الشمال والعليا مدن عمران وشام وكوكبان على التوالي. تمتد هذه المدينة عبر مساحة تقارب عشرين هكتاراً مغلفة بجدران حجرية ترتفع لأكثر من ١١٦٢ متراً، مزدانة بإحدى وعشرين برجاً نصف دائري ودوري الشكل للمراقبة والدفاع ضد أي تهديدات خارجية محتملة.
ومن أبرز المعالم التاريخية داخل أسوار المدينة القلعة القوية والمعروفة باسم قلعة الغراب، وهي شهادة باقية لتاريخ دولة حمير العريق. هذا التحصين الدفاعي الأعلى والذي ينتصب فوق مستوى البحر بما يقارب ثلاثة آلاف وتسعمئة وستين متراً قد تعرض للتدمير الجزئي أثناء فترة الاستعمار التركي ولكنه ظل قائماً بمظهره المدافع عن القدم رغم ذلك. تتضمن القلعة العديد من المباني مثل البرج العالي والجامع المغوار.
أما بالنسبة للأحياء الداخلية فهي تضم مجموعة متنوعة ومتنوعة. نذكر منها حي رأس الميدان الواقع جنوبياً وغربي المدينة وقرية المحاميد شرقي وسط البلدة وقرة الطلح تعتبر أصغر مستوطنة بشرية موجودة حالياً بالموقع حسب المعتقد الشعبي المحلي. ومع ذلك فان وجود نفس السياقات المتعلقة بالتعداد السكاني واضح بشكل عام باستمرار وجود عدد كبير نسبياً من المقرات الحكومية الرسمية والأماكن الدينية العامة كمجمع جامع المجتمع الرئيسي الكبير المتموضع غربي سوق المركز التجاري الذي يتمتع بثلاثة عشرة مكتب تجاري مختلف بالإضافة لحارة الشعب اليهودي سابقا والتي تبعد نحو خمسمئة متر فقط باتجاه الجانب الشرقي لكن الآن فارغة تماما بعد رحيل مالكي العقارات الرئيسيين السابقين المنحدمين من هناك منذ سنوات طويلة مضت وهكذا فقد فقدت تلك المنطقة الأخيرة سكانها الأصلين الذين كانوا يدينون بالإسلام.
هذه الصورة النابضة بالحياة لمختلف جوانب حياة مجتمع ثلاة توضح لنا مدى ارتباط المواطنين ارتباطًا وثيقًا بتاريخهم وحفاظهم المستمر عليه وعلى جماله الخاص بهم جيلاً بعد جيل مما جعل المكان واحدًا من أكثر المناطق شهرةً بين دول العالم جميعها نظرا لقيمة تراثه العمراني المشابه جدًا لما كانت عليه البيئات الأخرى التي استوطنتها الدول المتحضرة عبر الزمن القديم.