تُعد مدينة الثاج إحدى عجائب الماضي المدفون في ربوع شبه الجزيرة العربيّة، حيث تكمن بين طيات الأرض حكايات حضارتين عظمتين: الإغريق والهلنستيين، مما يعكس مكانة المدينة الاستراتيجيّة كممر أساسي للتجارة عبر صحاري البلاد. تقع المدينة نحو 150 كيلومتراً شرقي محافظة الجبيل السعودية، متماهية مع تضاريس الوادي المنحدر شمالاً، محاطة بتلال "البَـُـتيِل" غرباً وكثبان رملية شرقاً. فيما تحدها جنوباً سبخة الخويصرة وجنوب غربيًّا مناطق حسنة التشجير مثل 'الحناء'.
لم يكن اكتشاف موقع ثاج وليد خيالٍ زائدٍ؛ إنما جاء صدفة أثناء أعمال تنقيبيه محلية. وقد اندهشت الطاقم العلمي لما عثروا عليه داخل تلك المقبرة العامة الأثريّة! فقد احتضنت مدافن أفراد مجتمع قدماء عاش هنا منذ القرن الرابع قبل الميلاد تقريبًا. إلا أنه كان هناك لقباً خاصًا بحقيقة غير معروفة حتى الآن هي امرأة نبيلة تحمل اسم "ملكة مجهولة". وبينما تسارع فريق البحث لتسجيل تفاصيل كل قطعة وكل مشهد؛ ارتسم أمام أعينهم صورة لحياة راقية مليئة بالتفاخر والمكانة الاجتماعية المرتفعة لسكان المكان. وكانت أثمن اكتشافاتهما عبارة عن صندوق خشبي ضخم يحتوي على بقايا تابوت ذهب مصقول وقطع أثرية أخرى ذات طابع ملكي. بالإضافة لذلك، فقد كشفت التنقيبات أيضًا عن وجود منحوتات برونزية صغيرة تصور شخصيات بشريه وهيكل عظمي لرجل تجاوز عمره التسعين سنة حسب تقديرات خبراء الطب الشرعي آنذاك. لكن كيف وصلت جميع هذه القطع الرائعة إليهم؟ وما هو السر خلف ذلك الزخرف الخارجي المبهر للتابوت؟ ربما سيظل لغزا يبهر المهتمين بدراسة الآثار القديمة لفترة طويلة قادمة. ومع ذلك فإن أهميته الأكبر تكمن فيما يشير إليه من امتزاج ثقافي مميز خلال الفترة الهلنستية عندما انتقلت عناصر الثقافتان الشرقية واليونانية من مرحلة التأثير الجانبي إلى انصهار فعّال جعل العالم القديم أكثر جاذبية وتعقيدا بالنسبة لنا اليوم بينما نحاول فهم جوانب الحياة الروحية والدنيوية لعصور مضت والتي لم يعد لها وجود سوى وإن بطريقة رمزيه بطيئة ولكنها مستمرة في عالمنا الحالي بكل أشكال التطور المذهلة.