يُعتبر جسر موستار، المعروف أيضاً بجسر "الجسر القديم"، شاهداً حياً على الإرث الثقافي والتاريخي للإمبراطورية العثمانية في قلب أوروبا الشرقية. يعود الفضل في إنشاء هذا التحفة المعمارية إلى السلطان سليمان القانوني نفسه خلال فترة ازدهار الدولة العثمانية، والذي أمر بتصميم وبناء الجسر في القرن السادس عشر تحديداً في العام ١٥٦٦ ميلادي. يتميز التصميم الهندسي للجسر بطابع دفاعي مميز؛ فهو يشبه الحصنين الجانبيين الذين يحرسان المدخل - أحدهما يسمى هيليبيجا والثاني يُطلق عليه اسم تارا. وللحفاظ على تماسكه وسط تدفق المياه المتغير لنهر نرتفا، تم استخدام حجارة الجير المحلية المصنوعة بحرفة عالية الدقة.
استلزم الأمر تسع سنوات فقط لبناء هذا الشاهد التاريخي الضخم والذي يصل عرضه لأربع أمتار وطولة ثلاثين مترا، فيما بلغ ارتفاع قصره المؤثر أربع وعشرون مترا فوق مستوى سطح الماء. ولكن رغم كل تلك الروعة الجمالية والأهمية التاريخية وحجم العمل اليدوي الكبير المطلوب فيه، أصبح جسر موستار هدفاً رئيسياً لقوات كرواتية أثناء الحرب في نوفمبر عام ١٩٩٣؛ مما أدى إلى تعرض الجسر لهجوم مدفعي مدمر نتج عنه دمار جزئي وخسائر كارثية للحركة البشرية والإنسانية العامة داخل المنطقة.
ومع نهاية النزاع العنيف مباشرة بدأت جهود إعادة الترميم تحت اشراف العديد من المنظمات الدولية الهامة وعلى رأس قائمتها البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ("اليونسكو") بالإضافة لمؤسسات أخرى مثل مؤسسة أغاخان الثقافية وصندوق الآثار العالمية وغيرهما ممن قدموا دعماً مالياً ومعنوياً واسع النطاق لهذه العملية الإنسانية الجديرة بالتقدير. ثم جاء دور اللجنة الخاصة لترميم الفيضانات والتي شكّلت بموجب قرار صدر من قبل يونسكو نفسها وتألفت من فريق خبير عالمي لديه القدرة العلمية والفنية لإنجاز المهمة بدقة وفق أساليب جديدة ومتطورة تناسب طبيعة المبنى الواسع والمعقد ذاته. وبعد أكثر من نصف عقدٍ بعد القرار الأخير بالإصلاح، اختتم مشروع "عودة الحياة" الناجح بإعلان يوم صريح يوم السابع عشر من يوليو عام ٢٠٠٤ بأن موقع جاذب آخر قد اكتسب مكانة رسمية ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لدى يونسكو نظرا لرخصته الأخلاقية العميقة كإرث ثقافي وإنساني مشترك بشريا للأجيال التالية .