رحلة عبر الزمن مع مدينة وادان: تاريخ وثقافة ومآثر موريتانيا

التعليقات · 0 مشاهدات

مدينة وادان هي واحدة من الكنوز التاريخية والمعرفية لموريتانيا. تأسست هذه المدينة الفريدة من نوعها في العام 536هـ/1142 ميلادي, بتوجيه من ثلاثة من الشخص

مدينة وادان هي واحدة من الكنوز التاريخية والمعرفية لموريتانيا. تأسست هذه المدينة الفريدة من نوعها في العام 536هـ/1142 ميلادي, بتوجيه من ثلاثة من الشخصيات البارزة وهم: عثمان الأنصاري, يعقوب القرشي, وعلي الصنهاجي. اختيار الموقع، والذي يقع على هضبة آدرار بشمال شرق البلاد، ليس إلا نتيجة للتقدير الاستراتيجي لعظمته. فهي تتوسط مساحة شاسعة من الصحراء وتعلو فوق "قلب الرش"، وهو مبنى حجري هائل. كذلك فإن قربها من مدينتي أطار وشنقيط يزيد من جاذبيتها.

تمتاز وادان بتاريخ حافل ومتنوع. فقد كانت مركزاً رئيسياً للعلم والثقافة خلال فترة ازدهارها. كان طريقها الرئيسي يُطلق عليه اسم "شارع الأربعون عالم". اليوم، يقسم المدينة إلى منطقتين واضحتين. الجزء الشمالي القديم، الذي يعد الآن أحد المواقع الرئيسية للسياحة، وقد صنفته اليونسكو ضمن التراث العالمي بسبب كنوزه الثقافية. بينما يشغل الجانب الآخر سكاناً دائمين تضم مرافق خدمية عامة وإدارية للبلدية. ومن الجدير بالذكر أن تسميتها جاءت نسبة لوادي نخيل كبير عند مدخلها الأصلي.

على مر القرون، لعبت وادان دوراً محورياً في الشبكة التجارية للقارة الأفريقية. كانت بوابة مهمة لتبادل السلع النفيسة مثل الذهب والملح والعبيد بين القوافل الواصلة من ساحل الشمال والقوافل المتوجهة نحو جنوب البحر الأبيض المتوسط. وبسبب مكانتها التجارية الاستراتيجية، تعرضت للهجوم والتغيير عدة مرات بما في ذلك احتلال البرتغاليين لها ثم الانسحاب لاحقا بناء قواعد لهم خارج أسوار البلدة. كما شهدت أيضا تقديس العديد من العلماء الذين عززوا مكانة وادان العلمية مثل الشيخ السلّاك ابن الأمام والأستاذ الطالب أحمد بن طاور وغيرهما كثيرون ممن غرسوا بذور التعليم والعلم هناك.

وما يؤكد خصوصيتها وهيبة تاريخها هو سور الدفاع الضخم الذي يحمي حدود المدينة والتي يصل طولها حتى ثمانين متراً وسُمكها أكثر من نصف متر. هذا السور شاهداً حيّا على الدور الأمني والحربي المهم لهذه المدينة عبر العقود الماضية ضد الغارات والسلب والسلب المرتكب بحق أهلها.

ومع مرور الزمن واجهت وادان تحديات مختلفة أثرت بشكل سلبي على نموها واستقرار شعبها الاجتماعي والإنساني: فتنتتان داخليتان اندلعتا لأكثر من عقد واحد ما أدى تهجير بعض علماء الدين وألحقت ضررا بالغا بكثير من مكتبات المدينة؛ تغييرات جيوسياسية نتيجة سيطرة الأوروبيين خاصة الفرنسيين الذين قسموا الحدود التقليدية لإضعاف جهود مقاومتهم المشتركة من طرف كلٍٍّ من بلدان المغرب الكبير الثلاث؛ ظروف طبيعية كالجوخان الناجم عنه تشريد السكان؛ وانتشار التصحر الذي قضى تقريباً على جميع المناطق الزراعية ورعي الحيوانات في تلك المنطقة وقتذاك.

هذه الحقائق تعكس مدى قوة وصمود مدينة وادان رغم الظروف القاسية والمعاناة المستمرة منذ قرون طويلة ولكنها حافظت دائمًا على مكانتها باعتبارها رمزا ثقافيًّا وحضاريَّا لا ينسى لشعب موريتانيا العزيز.

التعليقات