في قلب باريس الجميلة، يُبرز برج إيفل سجلًا تاريخيًا هندسيًا فريدًا يعكس براعة العقل الإنساني والإنجازات التقنية لأواخر القرن التاسع عشر. يقف هذا العملاق الحديدي شاهداً على الأحداث العالمية الكبرى وعلى روح الابتكار والتحدي التي كانت تحكم العالم آنذاك.
بدأ بناء برج إيفل في يناير 1887، تحت رعاية المهندس المعماري الشهير غوستاف إيفل. خلال سلسلتين مدتهما كل واحدة منها سنة ونصف السنة، عمل فريق مؤلف من حوالي 50 مهندساً وثلاثمائة عامل بلا كلل لإتمام هذه الرؤية الهندسية الضخمة. أصعب جزء جاء أثناء وضع الأساسات والتي استغرقت فقط خمسة أشهر - رقم قياسي حققته الجهود المتضافرة لهذه القوة العاملة غير المسبوقة. وبعد ذلك مباشرةً، بدأ العمل الرئيسي بإنشاء الهيكل نفسه والذي امتد لسنة ونصف أخرى حتى أكملوه أخيراً في مارس 1889. افتتاح الحدث التاريخي حدث لاحقا بتاريخ مايو من نفس العام ليعلن بداية عصر جديد تماماً للعاصمة الفرنسية.
يتألف برج إيفل الرائع من مجموعة مذهلة تتضمن أكثر من 18 ألف حبة حديد وصلبة بالإضافة إلى ٢.٥ مليون مسمار. يشكل وزن هائلا قدره ۱۰ آلاف طن يستقر حالياً فوق قاعدة تغطي نحو ١۵,۶۲۵ متر مربع فقط! مصدر مواد البناء الرئيسية يعود بصورة رئيسية الى مستعمرات فرنسا الاستراتيجية مثل الجزائر التي كانت تُعد المصدر الطبيعي الغني بموارد الخامات اللازمة لبناء المنشئات الفاخرة وقتذاك. يرتفع هذا الشاهِد المذهِل نحو الثلاثمائة وعشرين متر للسماء وهو عبارة عن ثلاث طبقات مختلفة المستويات بدءا بطابق أول يصل ارتفاع سطح الأرض فيه إلى مستوى خمسة وسبعين مترا ويضم مجموعة ممتازة ومتحف رائع خاص بالحكايات الخاصة بكيفية بنائه. بينما يأتي الدور التالي أعلى بسنتان ومائة متر لتستقبل مطاعمه وفصول محلات بيع المنتجات الهدايا الصغيرة المؤرخة المرتبطة بالمكان..وأخيراً وليس آخرهما الجزء العلوي الأكثر جمال وروعة؛ حيث الوصول إليه يعني نفاذ خمس وستين درجة للأعلى لتصل لقمة البرج مما يوفر لك بانوراما خلابة لكل زاوية صغيرة وكبيرة بالعاصمة الفرنسية الخالدة المُلهمة "باريس".
لقد شهد برج إيفل العديد من الجدل منذ لحظة تدشينه الأولى بين الكتاب والشعراء وطلائع الفن التشكيلي الذين اشتكوا حينها بأن التصميم حديث للغاية ولم يكن له مكان ضمن تصورات المدينة الرومانسية المتعارف عليها يوم ذاك لكن رغم كل هذه الاعتراضات إلا أنه ظل ثابت وصامد كالأسد حتى أصبح الآن رمز عالمي للامبراطورية الفرنسية الجديدة ومصدر دخل كبير لها أيضا وذلك بسبب الرسوم المالية المفروضة مقابل دخول الأفراد لرصد المناظر العامة للاستماع إليها عبر مكبر الصوت الواضح المدوّي هناك!!!