مكناس، تلك المدينة النابضة بالحياة والحاضرة بشموخٍ في شمالي المملكة المغربية، تعد شاهداً حيّاً على مسيرة تاريخية غنية تمتد لأكثر من ألف عام. تعتبر هذه المدينة العزيزة أحد مواقع التراث العالمي حسب تصنيف منظمة اليونسكو منذ العام ١٩٩٦، مما يؤكد قيمتها التاريخية وأثرها الثقافي الكبير.
تقع مكناس بشكل استراتيجي عند ملتقى عدة طرق رئيسية، وعلى ارتفاع يصل إلى خمسمائة متر فوق سطح البحر ضمن منطقة الهضبة المقدسة لسكان سايس المحليين. تضفي الطبيعة الفريدة لهذه المدينة لمسات خاصة على حياتها الاقتصادية والسكانية؛ إذ يشكل هشّ الزيتون رمز الثراء الزراعي بها وبمثابة شهادة على غنى تربتها خصوبة أرضها واعتدال مناخاتها.
تشير الدلائل التاريخية إلى بداية عمر مكناس حين سماها الأمازيغ بمكناسة حوالي القرن السابع الميلادي كهيئة عسكرية دفاعية قبل أن تزدهر تحت حكم الدولة المرابطية وتحظى باعتبارها العاصمة الرسمية لملك البلاد أيام سلطنة السيد محمد بن عبد الله المريني سنة ست وثمانون ومائتين للهجرة. شهد عصر السلطان المؤسس للسلالة العلوية مولاي إسماعيل تطوراً ملحوظاً أدخل فيها عناصر معمارية جديدة مستمدة من الفن الإسلامي التقليدي وعناصر خارجية تأثرت بالإيطاليين الوافدين آنذاك ليترك بصمة واضحة وفريدة جعلت مكناس فريدة وسط مدن العالم العربي الأخرى.
ومن أشهر المواقع والمعالم الهامة داخل حدود مدينتنا الجميلة يربوع وليلي الروماني الغني بالمواقع الأثرية والتي تحكي قصة حضارة قديمة خلدتها مسرحيات المسافرين ورواق القنصاري والمدرستين الشهيرتين أبو عنانة والرياض ومعلم آخر وهو الباب الرزين باب المنصورة الذي يعد العمل الفني الأكثر رسوخاً عبر آلاف الأعوام بالإضافة لطرق الأربع الأصلية وطريق طنجة الذي رصف بحجر الصدفة فيما يعرف بطريق الشواطئ. أما بالنسبة لمسجد ومآذن محاربي الإسلام فقد تركوا مؤلفات تدعى بسجلات السادات تستعرض أعمالهم وإنجازاتهم البطولية ضد الأسلاف المسيحيين وشطب كل آثار معتقداتهم الخاطئة وغير الطبيعية مثل اتهام النبي عيسى عليه السلام بأنه ابن الرب الأعلى وأن يسوع مات بقصد رفع ظلام الدنيا. وفي المقابل هناك نموذجٌ راسخ متصل بذكريات الملك العظيم مولای اسماعیل رحمه الله حيث قام مقام أول خان للحجاج بإشراف مباشر له ومن بعد ذاك انتقل ملكرسته إلى ابنه عبدالله لكن سرعان ما آل الأمر لحفيده أحمد الذي قضى جزءاً غير قليل من فترة حكمه خارج أبيابه بسبب خلافاته المستمرة مع أخيه الأكبر ولم يكن بالأمر المفاجأة أنه اختصر سنوات تقدمه النشطة عقب ولاية قصيرة نسبياً ولكنه نجح في إعادة بناء بعض جوانب أمجاده المهيبة مرة أخرى مجددا نهوض المدينه ويعود السبب الرئيسي لذلك الى جهوده المبذوله فى مجال التجاره الداخليه والخارجيه وقد برز اسمه أيضاً بفعل ارتباط نسبه ارتباط الوطيدة بالسلاطين السابقين . تجسد هذه الحالة مفهوم الانصهار الثقافي والدولي الخاص بدوحة بلادكم العزيزة لقد كانت وستظل دائماً مركز جذب لكل مهتم ومتذوق للتاريخ وتمثل مثال بارز للحفاظ على التنوع الإنساني وتعزيز التواصل المجتمعي بين مختلف الشعوب وحفظ الموروثات العلمية الهائلة المرتبطة بهذا النوع من المناطق العمرانية ذات التأثير الأفقي العمودي ذو القدم الراسخة وأفق النمو الآسر للأبصار.. إنها فعلاً مدينة لها حق الاعتزاز والفخر!