تقع مدينة غراس الساحرة جنوب شرق فرنسا، وهي جوهرة فريدة تعكس تاريخًا غنيًا وثقافة نابضة بالحياة. تشتهر هذه المدينة الصغيرة الواقعة على الساحل الشرقي لبحر الأبيض المتوسط بصناعة الرائحة الفاخرة، مما أكسبها لقباً عالميًا باعتبارها "العاصمة العالمية للعطور". ولكن جذورها التاريخية ترجع إلى القدم، عندما أطلق عليها الرومان القدماء اسم "بوديوم كراسوم" تكريمًا لتلة كبيرة داخل حدود مدينتها القديمة الجميلة.
مع موقعها الاستراتيجي وعلى مقربة من مدينة كان الشهيرة، تتمتع غراس بمناخ متوسطي معتدل، حيث تتراوح درجات الحرارة السنوية بين 3°C و28°C. يعيش حالياً حوالي ٤٨ ألف شخص في هذه المدينة الهادئة، والتي شهدت تحولا ديمغرافيا ملحوظا عبر القرون المنصرمة، خاصةً خلال حقبة السياحة الباهظة الثمن على طول ريفيرة الفرنسية في نهاية القرن ١٩. وقد عزز وجود قطب تكنولوجي حديث خارج حدود المدينه الصناعات المحلية ودفع الاقتصاد المحلي نحو تقديم فرص عمل جديدة لسكان المدينة الحاليين والقادمين الجدد بحثاً عن مستقبل أكثر إزدهارا وحيوية علميا.
تاريخياً، توضح قصة تطوير صناعة العطور الخاصة بغراس مدى قدرتها على التكيف واستدامتها. فبينما برزت سابقًا كموقع رئيسي للدباغة ومعالجة الجلود، واجهت تحديات اقتصادية أجبرتها على إعادة توجيه مواردها وطاقاتها نحو إنتاج عطورات ذات جودة عالية باستخدام تقنيات مبتكرة لإستخلاص الزيوت الطيارة والعطور المركزّة. اليوم، تستضيف غراس أكبر مجموعة شركات عطرية مستقلة في العالم، بما يصل مجموع عمالة القطاع المباشر وغير المباشر لعشر آلاف موظف! ليس فقط أنها مركز تصنيع رائد لعطور ذات علامات تجارية شهيرة حول العالم بل أيضا مصدر إلهام لفنانين وروائيين يستخدمون جماليتها لتصميم قصص مذهله ونثر أعمال ادبية مليئه بالأرواح الرقيقة والشامتين... كمثل باتريك سويزنكند صاحب كتاب المؤثر "العطر".
وبهذا فإن رحلتنا القصيرة لهذه المنطقة الغنية بتاريخها والتزاماتها تجاه خلق تقدم اجتماعي واقتصادي تثبت مرة أخرى أنه حين نتخيّل مصطلح 'فن الحياة' فهو قد ينطبق تمام الانطباقعلى المناطق التي تستحق فعلا وصف الإبداع الإنساني - مثلك مثل غراس, france .