كان للمستشرقين العرب دور بارز في إثراء خريطة المعرفة الإنسانية عبر الزمن، خاصة فيما يخص العالم الإسلامي ومحيطه الثقافي. لقد ساهموا بشكل كبير في توثيق وتقديم رؤى ثاقبة حول المدن الحيوية والمؤثرة داخل المغرب العربي. هذه المنطقة الغنية بالتراث التاريخي والحضاري كانت موضع اهتمام العديد من الرحالة الذين تركوا لنا وصفا غنيا لهذه المدن التي تعكس تنوعها وعمق تاريخها العربي الإسلامي.
مدينة فاس بالمغرب، مثلا، والتي تعتبر واحدة من أقدم العواصم الإسلامية، قد وصفها عبد الرحمن بن خلدون بأنها "مدينة الجمال والنور". يعود بنا هذا الوصف إلى القرن الرابع عشر الميلادي حيث نجد فيها جامعتها الشهيرة القرويين - أول جامعة في العالم الإسلامي - بالإضافة لمبانيها التاريخية كمسجد القرويين وسوق المدينة النابضة بالحياة.
تعتبر الجزائر العاصمة أيضا واحدة من الوجهات المحورية لرحلات المستشرقين العرب. فقد كتب المؤرخ ابن بطوطة عنها قائلاً إنها "مركز العلم والثقافة"، مستشهدا بالجامعات والمعاهد الدينية الموجودة بها مثل جامعة الزيتونة وجامعة مولاي إدريس. كما سلط الضوء على الحياة الاقتصادية للجزائر بسبب موقعها الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا وأفريقيا.
وفي تونس، تعد مدينة تونس العاصمة مركزاً ثقافياً واجتماعياً هاماً منذ القدم. وقد ذكر الحميري أنها تضم أسواقاً متنوعة ومتاجر مليئة بجميع أنواع البضائع المستوردة مما جعله يشير إليها باعتبارها عاصمة التجارة والصناعة بتونس آنذاك. بينما أكد المقريزي وجود سوق الخضار والفواكه الكبير والذي كان يستقطب التجار من جميع أنحاء البلاد والعالم العربي.
هذه الشهادات المكتوبة بحروف الرصاص تكشف لنا جماليات وعظمة حضارات تلك الفترة وتعطي نظرات ثاقبة لماضي مشرق مازالت بصماته واضحة حتى يومنا هذا في معالم مدن المغرب العربي الجميلة والتاريخية.