جزيرة جريشة: واحة تاريخية وسط البحر المتوسط

التعليقات · 0 مشاهدات

تقع جزيرة جريشة شرق مدينة الإسكندرية شمال غرب مصر، تحديدًا بالقرب من شواطئ أبو قير وخليج أبي قير الشهير. تُعد هذه الجزيرة نقطة جذب هامة للحياة البرية

تقع جزيرة جريشة شرق مدينة الإسكندرية شمال غرب مصر، تحديدًا بالقرب من شواطئ أبو قير وخليج أبي قير الشهير. تُعد هذه الجزيرة نقطة جذب هامة للحياة البرية والنباتات النادرة، كما أنها تشكل جزءاً مهماً من التاريخ الثقافي والحضاري القديم. ومعروفة أيضًا باسم "جزيرة نيلسون"، تكريمًا للقائد البريطاني هورatio نيلson الذي حقق انتصارًا تاريخيًا ضد القوات الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت في معركة أبو قير البحرية عام 1798.

قبل الإسلام وبعده، لعبت الجزيرة دورًا محوريًا في الحياة الاقتصادية والعسكرية للإسكندرية والمملكة الفاطمية. وكانت مركزًا تجارياً رئيسياً ومستوطنة بحرية مهمة، فضلاً عن كونها قاعدة عسكرية استراتيجية تحرس مدخل ميناء الإسكندرية الغربي. وبسبب هذا الموقع الاستراتيجي، شهد المكان عدة عمليات غزو وسلسلة من الفترات التاريخية المختلفة عبر القرون العديدة.

على الرغم من مكانته الصغيرة نسبيًا -تبلغ مساحتها نحو كيلومتر مربع واحد فقط- تعد جزيرة جريشة شاهد حي على تنوع ثقافي وفني عميق ومتعدد الطبقات يعكس تراث حضارة المنطقة منذ عصر الفراعنة حتى العصور الرومانية والبحرية الحديثة المبكرة. وتحكي روائع فنونها المنحوتة وآثارها المدفونة تحت مياه البحر قصة شعب مزدهر مارس التجارة والصيد وصناعة السفن وصناعة الزجاج والمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة لفترة طويلة قبل ميلاد المسيح عليه السلام بفترة طويلة. ويبدو أنها كانت مجتمعًا مستقرًا وغنيًا للغاية بالنسبة لحجمه الصغير نسبيا حينذاك.

وقد أدت أعمال الترميم والتسويق السياحي إلى إعادة فتح بعض المواقع الأكثر شهرة لاستقبال زوار اليوم الذين يمكنهم رؤية الأدلة الدامغة لتلك الحقبة الماضية المهيبة بأنفسهم. فقد ساعد الاكتشاف الرائع لآلاف القطع الأثرية اليونانية والرومانية خلال حملة التنقيب الإيطالية الناجحة عام ١٩٩٨ برئاسة الدكتور باولو جاللو من جامعة تورينو بشكل كبير في رسم الصورة التفصيلية لهذه المدينة القديمة المكتفية ذاتياً سابقاً. وتمثل هذه التحف مجموعة متنوعة من الأعمال اليدوية الحرفية المثيرة للاهتمام المصنوعة يدويًا بدقة عالية ومهارة حرفيين ماهرين مما يجسد مستوى البحوث العلمية والدينية والفنية في ذلك الوقت. ويمكن مشاهدة بعض these treasures ضمن مجموعات المتحف الكبير للأثار بالإسكندرية الحالي.

وفي حديث خاص عن جمال الجزيرة الطبيعي، تستضيف باتجاه الجنوب الشرقي بركة صغيرة وجافة تسمى "بركة عبدالقادر" والتي تحتوي بدورها على عين ماء قديمة يُعتقد أنها ملك لعبدالله بن محمد بن علي بن إبراهيم آل سعود حاكم القصيم بالمملكة العربية السعودية آنذاك! بينما جنوب تلك البركة مباشرة يوجد مسجد صغير يحمل اسم الحاكم السعودي نفسه أيضا!

إن الطابع الأخضر الخصب المتميز لجريشة أمر يستحق المشاهدة خاصة أثناء أشهر الربيع والخريف عندما تزدهر أرض الجزيرة بالنخيل والشجيرات الأخرى الملونة النادرة المطابقة تمامًا لما تصفه الوثائق التاريخية عنها أيام حكم الدولة الإسلامية الأولى بها ومازال محافظا عليها بتوجيه ورعاية الشخصيات الملكية العربية الحاكمة حاليا بالسعودية والمغرب العربي وغيرهما ممن لهم روابط وثيقة بهذا الجزء العزيز من الوطن الأم القاهرة. فعلاوة على المناظر الطبيعية الخلابة حول الجزيرة, يوفر تصميم الهندسة العمرانية التقليدية للمباني التاريخية الموجودة هناك فرصة رائعة لاستعادة ذكريات الماضي البعيد لمن أحب الاطلاع على مظاهر التراث الثقافي الغني لدى شعوب المنطقة الشرق اوسطية وما آل إليه الأمر فيما بعد نتيجة لاتصال مباشر بين العرب والإفرنج الأوروبيين. إذن ليس بالأمر المستبعد وجود علاقة وطيدة بين تركيب بيئة السكان المحلية وهذه العمارة الخاصة بهم بغض النظر عن اختلاف الأعراق والثقافات بين سكان المناطق المختلفة الواقعة تحت تأثير نفس النظام السياسي العام للدولة المركزية الموحدة آنذاك. يشبه الوضع سويسرا مثلا حيث تتداخل مختلف الهويات الثقافية بطرق تؤلف إطار وطن مجمع غير تقليدي رغم تفاوت الانتماءات السياسية لأصحاب الأرض الأصلين لكل منطقة من مناطق البلاد الفدرالية!! لذلك تجتمع جميع عوامل الجذب عند زيارتك لجريشة سواء كنت تبحث عن المغامرات والاسترخاء والاستمتاع بالعروض الموسيقية الفلكلورية المحلية المنتشرة بكثرة داخل البلاد الخارجية وكذلك داخل حدود الدول نفسها حسب الموسم والسياق الاجتماعي المعاصر... كل هذا موجود بالفعل وستكون سعيدا جدا بزيارة جزيرة جريشة مرة أخرى بلا شك لانها وجهة ممتازة لقضاء عطلات نهاية الاسبوع ونزهة يوم كامل برفقه اصحاب الرحلات والجولات الرحالة الرياضيين أو عشاق الفنون عامة.. إنها حتما واحدة من أجمل المقاصد السياحية البدائية الطبيعية التي ستجدها بكل سهولة سيرا على الأقدام فوق سطح اليابس واستقلال المركبات العامة المؤدية لباب دخول الجزيرة بعد عبورك قناة السويس الضيقة لتكتشف ثم تعايش واقع حياة قرى صغيرة مازالت محافظة على أصالتها وعلى مفرداتها الاجتماعية وعادات أهلها الراسخة فتصبح بذلك جزءا منهم ولو مؤقتا .. وهذا الشعور سوف يساهم بدون أدنى شك بتوسيع آفاق فهمك لما تطورت اليه المجتمعات البشرية عبر عقود عديدة مضت ومازالت قائمة للسابقين والأجيال القادمة بإذن الله تعالى!

التعليقات