مدينة ديرنكويو: ملجأ البشر القديم أسفل أرض تركيا

التعليقات · 0 مشاهدات

في قلب الريف التركي، وفي مكان خفيّ تحت ظلال جبلَيْ "إلفل"، يكمن سرٌ غامضٌ تجتاحه حكايات الجن والسحر والخرافات. إنه المكان الذي عرفته الإنسانية ذات يوم

في قلب الريف التركي، وفي مكان خفيّ تحت ظلال جبلَيْ "إلفل"، يكمن سرٌ غامضٌ تجتاحه حكايات الجن والسحر والخرافات. إنه المكان الذي عرفته الإنسانية ذات يوم كملاذها الأخير، والذي تعرف اليوم باسم "مدينة الجن" - والمعروف أيضًا باسم ديرنكويو.

هذه المدينة غير المعتادة ليست مجرد ثقوب صغيرة محفورة في الصخر، بل إنها نظام ضخم ومعقد ومتفرع للغاية، يصل طوله إلى أكثر من كيلومتر واحد ويتعمق نحو الأرض بمئات الأمتار. لقد بنيت باستخدام مواد محلية بسيطة ولكنها استراتيجية، مما يشكل العمل الهندسي الأكثر إبهارًا واحترافيًا بين جميع المباني القديمة المكتشفة حتّى الآن.

تم اكتشاف الموقع لأول مرة بشكل عرضي بواسطة زائر فضولي أثناء رحلة عبر ريف منطقة وسط الأناضول في القرن الخامس عشر الميلادي. وقد مهد هذا الحدث الطريق لفريق من خبراء الاثار الذين عملوا بلا كلل لإلقاء الضوء على أسرار هذا العالم الرائع المصنوع يدوياً. ومن خلال التنقيب المستمر وبحث وافٍ حول تاريخ المنطقة وعلم الآثار المحلي, تم الكشف تدريجيًا عن هيكل معقد ودقيق للغاية يشابه الشبكة المتداخلة لشرائح الفطر. لذلك سمّاها المؤرخون فيما بعد "مدينة الجن".

ويتكون التصميم الداخلي لهذه المدينة غير الاعتيادية من شبكة واسعة من الأنفاق والغرف والحمامات العامة وغرف النوم ومراحيض مخفية وغير مرئية تماما للعين المجردة فوق الأرض مباشرة. العديد منها مزود بإضاءة طبيعية وساعات مؤقتة ورود وصالات رياضية خاصة لاستخدام أفراد المجتمع آنذاك. كما توضح الأدلة أيضًا أهمية الدين والثقافة بالنسبة لسكانها السابقين ، حيث احتوت الطبقات الأعلى بعضًا من المساجد والكنائس الصغيرة الجميلة والتي أصبحت الآن هياكل مهجورة ولكن لا تزال تحافظ عليها آثار الفن الإسلامي التقليدي وشهاداته الإبداعية الأخرى .

ويرجع سبب ميلاد مثل هذه التحفة الفنية الشبيهة بالأفعوانية تحت السطح بدرجة كبيرة إلى ضرورة الاستجابة للتحديات الطبيعية القاسية التي واجهتها مجتمعات العصر الوسيط – بما فيها الفيضانات المفاجئة والانهيارات الثلجية المدمرة– وكذلك الطرق الطويلة الخطيرة التي تربط مناطق مختلفة داخل الدولة العثمانية نفسها بذلك الوقت كذلك . وكان الحل المقترح هو إنشاء قلعة شامخة تمتد عميقًا داخل باطن الأرض مما يحمي سالكي طرق التجارة المهمة جدًا حينها ضد الخطر الخارجي المحتمل والذي كان سيؤدي حتما إلى تعطيل الحياة الاقتصادية الحيويّة للحاضر وللآتي أيضا. ولم يكن الأمر سهلاً ولا قصيرا ؛ فقد تطلب المشروع المهيب ساعات طويلة جدا نظرا للأعمال اليدوية المكثفة القائمة عليه ولكنه نجح أخيرا في تحقيق هدفه المنشود وهو تأمين منهج حياة مستدام وآمن نسبيا للسكان المرتقبين لاحقا هناك بالموقع نفسه . ربما لن ننزف أبداً معرفتنا بكامل تفاصيل مخططات تصميم وبناء هذا البيت الرئيسي المنتشر بلا حدود داخل الأراضي التركية لكن بالتأكيد ستظل ذكرى عظيمة لكل الأمجاد والحكمة القديمة الخاصة بوسائل الأمن والدفاع الدفاع عن الذات ضد عدونا الأعظم: الزمن والطبيعة والقوة الشعورية للإنسان نفسها !

التعليقات