تاريخ مدينة لبدة: جوهرة أثرية على بحر الظلمات

التعليقات · 1 مشاهدات

مدينة لبدة هي واحدة من المدن الليبية القديمة القائمة والتي تحتفظ بتراث ثقافي غني يعود تاريخه إلى الحقبة الفينيقية. تقع المدينة الاستراتيجية على ساحل ا

مدينة لبدة هي واحدة من المدن الليبية القديمة القائمة والتي تحتفظ بتراث ثقافي غني يعود تاريخه إلى الحقبة الفينيقية. تقع المدينة الاستراتيجية على ساحل البحر الأبيض المتوسط في شمال أفريقيا، تحديداً عند مصب وادي لبدة في شرق ليبيا، تبعد حوالي مئة وعشرين كيلومتراً عن العاصمة طرابلس وثلاثة كيلومترات فقط عن مدينة الخمس. تتمتع مدينة لبدة بمناخ متوسطي معتدل جعلها مركز جذب للتجارة والصناعة عبر القرون.

تعود جذور مدينة لبدة إلى عصور ما قبل التاريخ عندما استقر البشر حول وادي الرملة. خلال تلك الحقبة المبكرة، أصبحت لبدة ميناء طبيعي للبحارة والفينيقيين خاصةً، حيث سميت في الأصل "لبتيس ماغنا". يُعتقد أنها بنيت على يد كنعانيين كانوا ينذرون بإله الكون "آرص" وإلهتهم الرئيسية "عشتروت". مع مرور الوقت، تغيّر الاسم عدة مرات حتى جاء عصر الرومان.

في زمن الإمبراطور الروماني الشهير سبتيموس سيفيروس، شهدت لبدة ازدهاراً غير مسبوق كمركز تجاري رئيسي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، مما أدى إلى بناء العديد من التحف الهندسية الرائعة مثل قوس النصر وقاعة الألعاب الرياضية التي شُيدت أصلاً للإمبراطور هادريان ثم جددت لاحقاً. بالإضافة لذلك، تضم المدينة المسرح الكبير المطلة مباشرةً على الشاطئ والذي يعد واحداً من أكثر معالمها جاذبية حتى يومنا هذا.

إلا أن تاريخ لبدة لم يكن خالياً من تحديات خارجية؛ فقد تعرضت للاعتداءات والحروب المتكررة. فعلى سبيل المثال، حاول النوميديون فرض سيطرتهم لكن طلبت المدينة رسميًا الدعم من روما عام ١١١ قبل الميلاد لإعلاء رايتها ضد الحكم الخارجي. وبعد فترة قصيرة نسبياً، انتقلت الدولة الأم إلى الغزو الرومي الرسمي عام ٤٢ قبل الميلاد. ومع ذلك، ظلت منطقة مترابطة بشكل فعال داخل شبكة العلاقات السياسية والدينية الرومانية.

وفي ظل حكم الإمبراطور سبتيموس سيفيروس نفسه مرة أخرى -هذه المرة باعتباره مواطنًا محليًا- حققت لبدة تقدماً عمرانياً ملحوظاً عزز مكانته الثقافية العالمية. ولكن رغم كل هذه الزخارف الزاهية، واجه سكان لبدة أيضا فترات عصيبة كالاعتداء الذي شنّه الأستريانون في القرن الرابع ميلادياً. ثم تأتي مرحلة جديدة من الانقلاب السياسي بعد دخول القوات البيزنطية إليها سنة ٥٣٣ ميلادية يليها مجيء الفتح العربي والإسلامي الأول في ٦٤٣ ميلادية.

واليوم، تعد لبدة وجهة سياحية مهمة لما تحتويه من تراث أثري بارز بما فيه حمام بارد قديم ومجموعة واسعة من بقايا الحياة الاجتماعية العامة مثل مرافق الخدمات العامة وما يعرف بالمقهى السياحي القديم. إن رحلات النهار الطويلة نحو وسط المدينة توفر فرصة فريدة لاستكشاف الماضي الباهر لهذه العمارة المحمية دولياً ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي.

التعليقات