مدينة البتراء، الواقعة في جنوب غرب الأردن، هي تحفة فنية تاريخية تعتبر واحدة من أهم المواقع الثقافية في العالم. تأسست هذه المدينة الرائعة منذ أكثر من ألفي عام من قبل شعب الأنباط، وهي اليوم مصنفّة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي.
تأتي تسميتها "البتراء"، والتي تُترجم حرفياً إلى "الصخرة"، تكريماً للحجر الرملي الأحمر الفريد الذي تشكل منه المناظر الطبيعية المذهلة والمباني الدينية والتجارية. يُطلق عليها أيضاً اسم "المدينة الوردية"، وهو وصف مناسب يعكس الطيف الملون للنباتات المحلية عند غروب الشمس.
تم بناء البتراء على مرتفع شاهق فوق وادي موسى، مستغلاً جيولوجيته القاسية لتوفير دفاع طبيعي ضد التهديدات الخارجية. هذا الموقع الجغرافي المتفرد سمح لسكان الأنباط بالتوسع بشكل كبير واستخدام نظام الري المتطور لإدارة المياه بكفاءة عالية داخل وخارج حدود مدينتهم التجارية الرئيسية.
على مر القرون، شهدت البتراء عدة هجومات ومراحل حكم مختلفة. بعد فترة طويلة من الحكم الناجح تحت يد الأنباط، تعرضت المدينة لهجوم أول من الجيش اليوناني عام 312 قبل الميلاد ولكن تم صد هذا الغزو بفضل المهارات الدفاعية المحلية والاستراتيجيات التكتيكية المدروسة. ثم جاء الرومان واضعين نهاية لحكم الأنباط عندما اجتاحوها عام 106 ميلادية، لكنهما تركا بصمة ثقافية عميقة ظلت ملموسة في الهندسة المعمارية والفلسفات الاجتماعية. طبعاً، كان هناك أيضًا فترات خاضعت فيها المدينة لسيطرة البيزنطيين وغيرهم من القوى الأوروبية.
بينما تسير بين ربوع البتراء القديمة، ستواجه مجموعة متنوعة من الآثار والعناصر المعمارية المثيرة للإعجاب. ليس فقط نافذة فريدة على التاريخ الإنساني، بل إنها مصدر إلهام للمخططين العمرانيين الحديثين بسبب ابتكار تصميماتها وطرق تدبير مياهها. بعض المعالم الأكثر شهرة تشمل "الخزنة"، مقبرة مذهبة متألقة؛ المقبرة الملكية الشهيرة؛ شارع الواجهات - طريق ضيق طويل محفور وسط الصخور مليء بالمباني المنحوتة بدقة؛ مذبح ديانا؛ المسرح الكبير؛ والدير، مكان عبادة مساحة واسعة ومتعدد الطبقات كان يستعمل سابقاً كنيسة بيزنطية كبيرة.
هذه التحف ليست مجرد تذكارات للتقدم القديم للأمم العربية قبل المسيحية، بل هي شهادة حية لما يمكن إنجازه بالإبداع والإصرار الإنساني حين يتم التصرف بحكمة وعقلانية في استخدام موارد الأرض. بدون شك، فإن رحلة لاستكشاف البتراء ليست مجرد سفر عبر الزمن، ولكنها أيضا فرصة للاستمتاع بفنتازيا جميلة ومعقدة من فن العمارة والثقافة البشرية المبكرة.